(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تعود قضيّة عَودة سوريا لجامعة الدّول العربيّة إلى الواجهة مع اقتراب انعقاد القِمَم العربيّة في السْنوات القليلة الماضية، إلّا أنّ الجديد هذا العام هو عَودتها بقوّة مع اقتراب انعقاد القمّة في السعوديّة، بل تتولّى السعوديّة بنفسها جهود الدّعوة والوساطة لعودة سوريا بعد أن كانت أشدّ معارضي هذه العودة!
وبعد تعليق جامعة الدّول العربيّة عضوية سوريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. لم يبرز سوى في العامين الماضيين التّوالي المكثّف لمؤشّرات التّقارب بين دمشق وعواصم عدّة، بينها أبوظبي التي أعادت علاقاتها الدّبلوماسيّة، ومؤخّرًا الرّياض التي أجرت محادثات مع دمشق حول استئناف الخدمات القنصليّة بين البلدين.
ولكن ورغم الجهود المكثّفة، انتهى اجتماع جدّة التّشاوري لوزراء خارجيّة مجلس التّعاون الخليجي بمشاركة وزراء خارجيّة الأردن ومصر والعراق، دون التوصّل إلى نتيجة حول عودة النّظام السوري لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، كما لم يأتِ البيان الختامي على ذكر موضوع عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة علماً أنّه كان من البنود الرئيسيّة التي من المفترض بحثها.
إلّا أنّ البيان احتوى على عبارات قد يتسرّب منها حجم الخلافات وطبيعتها وأسبابها، حيث ورد بالبيان أنّ "الحلّ السياسي هو الحلّ الوحيد للأزمة السورية، وأهميّة أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللّازمة لهذا الدّور، وتَكثيف التّشاور بين الدّول العربيّة بما يَكفل نجاح هذه الجهود".
ولم يُفصح المسؤولون السعوديون عن أي معلومات تتعلّق بالاجتماع باستثناء وصول وزراء خارجيّة وممثّلي الدّول المُشاركة الواحد تلوَ الآخر إلى جدّة على البَحر الأحمر. ونشرت قناة "الإخباريّة" الحكوميّة لقطات مصوّرة من الاجتماع.
وقالت الخارجية السعوديّة في بيان سابق إنّ وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله ونظيره السوري ناقشا "الخطوات اللازمة لتَحقيق تَسوية سياسيّة شاملة للأزمة السورية تُنهي كافّة تداعيّاتها، وتُحقّق المُصالحة الوطنيّة، وتُساهم في عودة سوريا إلى مُحيطها العربي واستئناف دورها الطّبيعي في الوطن العربي".
كما أكّد مَصدر دبلوماسي لوسائل الإعلام أنّ "السعوديّة هي التي تقود هذه الجهود بالكامل لكن تحت مظلّة مجلس التّعاون الخليجي"، مُضيفا أنّ "السعوديين يُحاولون على الأقل ضمان عدم اعتراض قطر على عودة سوريا إلى الجامعة العربية إذا طُرح الموضوع على التّصويت".
وهنا ومن صياغة البيان، يُمكن أن نستشف أنّ هناك مؤثّرات خارجيّة دَولية تعوق هذه الجهود، وهو ما يَكمن وراء استخدام عبارة مثل "أهمية وجود دور عربي قيادي"، كما أنّ هناك خلافات ربّما حادّة وهو ما يَكمن وراء استخدام عبارة مثل "تكثيف التّشاور".
وليس سرًّا أنّ أمريكا هي التي تقف حجر عثرة أمام انخراط سوريا في مُحيطها العربي، بل وتهدّد من يقوم بالتّطبيع معها بالخضوع للعقوبات.
ويُمكننا هنا أن نسترشد بتقرير لمعهد واشنطن، يقول كاتبه أندرو جيه. تابلر وهو باحث كبير في برنامج السياسة العربيّة في المعهد نصا: " لدى دوَل الخليج أسبابها الخاصّة للتّواصل مع الأسد، لكن عليها أن تَفهم أنّ واشنطن لن تَستثنيها من معظم العقوبات متعدّدة الأطراف المفروضة على سوريا دون حدوث تغيير جوهري في سياسة النّظام."
ولو دقّقنا في لغة الخطاب الأمريكيّة هذه، نَجدها تتطابق مع موقف الدّول المُعارضة وعلى رأسها قطر، حيث قال رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقابلة تلفزيونية، بأنّ الحديث عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية "تكهُنات"، وشدّد على أنّ أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة بالنّسبة إلى بلاده.
كما قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري والذي شارك باجتماع جدّة، إن تغيّر الموقف القطري من سوريا "مرتبط أساسًا بالإجماع العربي وبتغيّر ميداني يُحقّق تطلّعات الشّعب السوري".
وفي الشهر الماضي، كتب مجموعة من المسؤولين والخبراء الأميركيين السابقين إلى الرّئيس جو بايدن رسالة يقولون فيها إنّ المحاولات العربيّة لتطبيع العلاقات مع النّظام السوري دون إصلاحات سياسيّة تتعارض مع أجندات الأمن وحقوق الإنسان الأميركيّة.
و كشفَت صحيفة Wall Street Journal الأمريكيّة أيضًا أنّ دوَلاً أُخرى تُعارض إلى جانب قطر مثل الكويت والمغرب، وأشارت الصّحيفة إلى أنّ عمليّة إقناع الولايات المتّحدة وأوروبا برفع العقوبات عن الأسد وشركائه لن يكون سهلاً على الدّول العربيّة، حتّى بالنّسبة لأولئك الذين هم حلفاء أقوياء للولايات المتّحدة.
هنا نرى أنّ النّفوذ الأمريكي والخوف من العقوبات لا يزال يُعرقل الإجماع العربي على قرار داخلي عربي يتعلّق بشأن عربي خالص في تنظيم البيت من الداخل، كما لا تخلو الخلافات من أبعاد أُخرى مثل القضايا الثنائيّة بين بعض الدّوَل وسوريا، مثل ما تردّد عن أنّ المَغرب تَرفض بسبب دعم سوريا لجبهة البوليساريو، وتُشير تقديرات أُخرى بارتباط قطر بتركيا ومُساندة موقفها في سوريا، وغير ذلك من الأسباب.
كان من المهم أن يكون اجتماع جدّة افتتاحّا لفصل جديد من التوافق الخليجي ويتبعه توافق عربي في قمة السعودية، ولكن يبدو أن هذا الأمر بحاجة للمزيد من شجاعة المواجهة لأمريكا والمَزيد من تغليب المصلحة الجمعيّة العربيّة والخليجيّة على المصالح الخاصّة.