(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
ليس هناك أي خلاف على أهميّة السّودان الإستراتيجيّة عند المتنافسين العالميين، عمومًا، من حيث الموقع والموارد والتموضع في ممّرات التجارة والرّبط بين أهمّ بحارها ومحيطاتها، وكونها مدخلًا لقارة الكنوز الأفريقيّة، وبوجه خاص للخليج بسبب الجوار والانتماء لأمّةٍ واحدةٍ. أضف إلى ذلك دور التأثير الأمني والإستراتيجي لموقع السّودان على الحدود والمضائق ذات الصّلة المباشرة بالأمن الخليجي.
يُجمع الإستراتيجيون على أنّ السّودان، على الصعيد الجغرافي، يُعدّ امتدادًا طبيعيًا لمنطقة القرن الأفريقي، والتي هي بالمقاييس كلّها من مناطق العالم ذات الأهميّة الإستراتيجيّة؛ حيث تتبارى الدّول الكبرى للحصول على المزايا والمنافع فيها. إذ تتميّز هذه المنطقة بأهميّة خاصة بالنسبة إلى القارة الأفريقيّة، فهي نقطة ارتكازها ومدخلها، ومطلّة على الجزيرة العربيّة.
إنّ السّودان دولة مجاورة للدول النفطيّة في الخليج العربي، بالإضافة إلى دخوله-أي السّودان- الفعلي سوق النفط منتجًا ومصدّرًا، مع توافر كميّات هائلة من النفط، يجرى استغلالها حاليًا.
كما يرى المحلّلون أنّ الدّولة التي تستطيع الهيمنة على المشهد السيّاسي، في السّودان، ستتمكّن من التحكّم في المثلّث الغني باليورانيوم، والذي يمتدّ من دارفور إلى جنوب ليبيا وشرق تشاد. وهو مثلّث مهمّ لمستقبل الوقود النووي. واقتصاديًا؛ تمتلك دول الخليج سيولة ماليّة ضخمة ما قيمتها 2 تريليون دولار، وهذه الأموال يُستثمر معظمها في بنوك غربيّة وأدوات دين أميركيّة تبحث عن فرص استثمار آمنة وعائد مناسب؛ حيث تُعدّ دولة السّودان مرشحًا كبيرًا بهذا الأمر.
كما بوجد اتفاق خليجي على أنّ دول الخليج تحتاج إلى تقليل وارداتها الخارجيّة، خاصّة الغذائيّة، للحفاظ على احتياطياتها من النقد الأجنبي التي تتراجع عند انخفاض أسعار النفط، كما حدث في منتصف العام 2014، فمن الممكن أن يكون السّودان بديلًا لهذه المنتجات المستوردة.
هذا فضلًا عن أنّ السّودان هو سلّة غذاء المنطقة العربيّة؛ حيث يستطيع بموارده وإمكاناته الزراعيّة والحيوانيّة سدّ احتياجاتها من الغذاء واللّحوم والأخشاب بامتلاكه نحو 175 مليون فدان صالحة للزراعة، و52 مليون فدان من الغابات، و102 مليون رأس من الماشية، ومعدل أمطار سنوي يزيد عن 400 مليار متر مكّعب، إضافة إلى الأيدي العاملة الرخيصة وتوفّر الخبرات الزراعيّة.
كما يشكّل السّودان بوابة إفريقيا لدول الخليج، وهي الجسر الإستراتيجي الرابط بينهما. هنا؛ نحن أمام مستويين إستراتيجيين لتأثر أمن الخليج بما يحدث في السّودان. أوّلهما مباشر؛ يتعلّق بالمصلحة الخليجيّة في السّودان وجني ثمارها في حال الاستقرار، وغيابها في حال الفوضى، أو وجود نظام معادٍ لدولها أو موالٍ لبعض دولها دون الأخرى، بما يؤثّر على العلاقات الخليجيّة- الخليجيّة نفسها.
الثاني غير مباشر؛ ويتعلّق بالصّراع الدولي، حيث ترى إدارة الرّئيس الأميركي "جو بايدن" السّودان ساحة معركة رئيسة في الصّراع الأكبر ضد صعود "موسكو" الجيوسياسي في القارة الأفريقيّة، وتستهدف من خلاله محاصرة النفوذ الاقتصادي لــــ"بكين" في أفريقيا. وهذا الصّراع للمعسكرات الدوليّة يجعل دول الخليج ترى نفسها في غماره الخطير وفاقًا لتحالفاتها.
بناءً على ذلك؛ فإنّ أمن الخليج يتأثر، بشكل مركّب، بما يحدث في السّودان، سواء على المستويين المباشر أو غير المباشر، وكذلك على محاور الأمن القومي الاقتصاديّة والعسكريّة كافّة، وكذلك الأمور اللوجستيّة في التجارة، أو حتى المعارك العسكريّة. وربما ما يُشاع عن وجود اختلافات في الرؤى الخليجيّة للوضع في السّودان يضيف عاملًا آخرَ لعوامل التهديد. إذ يُشاع أنّ الإمارات تدعم طرفًا على حساب طرف آخر، بينما تدعم السّعودية وغيرها طرفًا آخر، وهذا ما يعمّق الفجوة ويوسّع دائرة التنافس والصّراع الدّاخلي السوداني.
نعتقد أنّ الخليج يحتاج إلى اجتماع عاجل لمناقشة الشأن السّوداني، والخروج برؤية موحدّة تقوم على الأمن الجماعي العربي والخليجي لتقدّم خطّة عمل للخروج من الأزمة، سواء بضغوط من التسويات أو بانحياز موحّد يخلو من الانقسامات.