(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
مع تطوّر العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين؛ انتظر كثير من العرب في الخليج وخارجه بعضًا من مواقف الدّول الخليجيّة، وخاصّة من الدّول التي أقدمت على التّطبيع ووقّعت على ما يسمّى "الاتفاقات الإبراهيميّة". ولكن هذا لم يحدث، وهو ما أصاب عددًا من الشّعوب الخليجيّة بالإحباط، كونها جزءًا من الشّعب العربي والإسلامي.
للأسف؛ لم يقتصر الأمر على الصّمت؛ إذ فاجأتنا الأخبار بأنّ التّطبيع يسير في مساره، ويتخذ أبعادًا أخرى جديدة تخالف القيم الخليجيّة التي تعتزّ بالإسلام وشريعته. فقد قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيليّة إنّ الحكومة العبريّة:" تتجه إلى إقامة كازينوهات في مدينة "إيلات"، بتمويل رجال أعمال في مجال المقامرات، بعد تحويلها إلى مشاريع قانونيّة، وذلك لاجتذاب مقامرين أثرياء من دولة الإمارات العربيّة. كما أنّ فتح كازينوهات للقمار، في مدينة إيلات، سيجلب إلى إسرائيل مزيدًا من السّياحة الخارجية الثريّة والمتنوّعة، وخاصة من دولة الإمارات التي اعتاد أثرياؤها على السّفر إلى أوروبا من أجل المراهنة، والآن ستكون لديهم أماكن أقرب".
مثل هذه الأخبار تعيدنا إلى الخلاف السّعودي- الإماراتي المحزن والتنافس بينهما، والذي تطوّر إلى درجة الصّراع في بعض الجبهات، وأدّى إلى الدّخول في مجالات تتناقض وقيم الدّين والموروثات الأخلاقيّة لشعوب الخليج، مثل: التخلّي عن المظاهر الإسلاميّة واستحداث المراقص وكازينوهات الخمور والقمار لجذب السّياحة، في إطار من التنافس الاقتصادي بين دولتين كبيرتين في الخليج مثل السّعودية والإمارات.
هذا، وفي تقرير سابق لوكالة "رويترز"، كشف مصدران مطّلعان أنّ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، ستسمح ببعض أشكال المقامرة، شريطة أن تتخذ كلّ إمارة قرارها بهذا الخصوص، وتحدّد بشكل مستقلّ كيفيّة تنظيم الأمر. كما وتعمل مجموعة من المنتجعات ونوادي القمار العالميّة على دراسة إمكان فتح فروع لها في الإمارات، خاصة وأنّها- أي الإمارات- تُعدّ نقطة جذب مهمّة للسّياح.
كما أضاف التقرير أنّ كثيرًا من مديري نوادي القمار العالميّة باتوا يصوّبون نظرهم نحو مكسبٍ لم يكن واردًا من قبل، وهو المقامرة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، حيث قالت "إمارة رأس الخيمة"، وهي واحدة من أصغر الإمارات السّبع التي تتشكّل منها دولة الإمارات وأقلها شهرة، إنّها تعتزم تنظيم مقامرات في بعض المنتجعات. وفي اليوم نفسه؛ أعلنت سلسلة "وين ريزورتس"، وهي عملاق القمار في مدينة "لاس فيغاس" الأميركيّة، اعتزامها إقامة منتجع مرخّص للعب القمار على جزيرة صناعيّة.
كتب معدّو التقرير أنّ هذه التصريحات ربما تمثّل نقطة تحوّل بالنسبة إلى منطقة الخليج التي اعتادت تطبيق أحكام الشّريعة الإسلاميةّ بصرامة أكبر من غيرها في دول الشّرق الأوسط، وحيث كان القمار أمرًا غير وارد من قبل. لكن في الوقت الراهن؛ تتطلّع المنطقة لنوادٍ؛ مثل "نادي بيروت للقمار" وصالات القمار المفتوحة في فنادق فاخرة في مصر.
في هذا السّياق؛ قال "أنتوني كوستا"، وهو الرّئيس الإقليمي لمنتجعات "سيزرز بالاس"، إنّ: "هذا القبول الآن لفكرة إمكان اللّعب بالقمار في دولة الإمارات، بأي شكل كان، يفتح الباب أمام منتجعات مثل سيزرز وإم.جي.إم لدراسة الأمر بدقة...أراه أمرًا مدهشًا". ومؤخرًا؛ قال تقرير لهيئة الإذاعة البريطانيّة " BBC" إنّ دولة الإمارات العربيّة المتحّدة تسعى لتكون وجهة للكازينوهات العالميّة، بعد قرارها الأخير السّماح بتدشين كازينوهات ألعاب القمار على أراضيها.
لقد ربط التقرير، والذي استدلّ بما نشره المجهر الأوروبي لقضايا الشّرق الأوسط، بين خطوة الإمارات وإطلاق المملكة العربيّة السعوديّة، في مطلع العام 2021، "مشروع المقرّ الرئيسي"، وذلك لدفع الشّركات الأجنبيّة لتأسيس وجود دائم لها في المملكة. إذ يقتضي ذلك تحديدًا نقل الشّركات الأجنبيّة مقرّاتها الرئيسة إلى المملكة- بشكل رئيسي من الإمارات العربيّة المتّحدة- بحلول العام 2024، إذا كانت ترغب في المشاركة في فرص الاستثمار الحكومية السّعوديّة.
أضاف التقرير أنّه، وممّا لا شكّ فيه أنّ خطوة كهذه كفيلة بدفع الإمارات للتحرّك سريعًا كي تحافظ على موقعها، وتحديدًا موقع مدينة "دبي"، والتي تحتلّ موقع الريادة في مجال الاستثمارات الأجنبيّة منذ عقود.
لقد أكّد تقرير "رويترز"- المشار إليه- هذا الأمر بالقول: "يأتي احتمال فتح صالات قمار على خلفيّة منافسة محتدمة في الخليج؛ حيث تنافس الإمارات- وهي مركز الأعمال والسّياحة في المنطقة- السعوديّة التي اتخذت قرارًا باتباع نهج أكثر انفتاحًا، لتصبح من أبرز المزارات في المنطقة مع تخلّيها عن الاعتماد على النفط حصرًا.
هذا التنافس، والذي دومًا نحذّر من تداعياته، نراه يصل إلى أمور غير شرعيّة وغير أخلاقيّة، ولا تناسب مجتمعات الخليج المحافظة دينيًا واجتماعيًا؛ حيث يصل إلى المحرّمات الدينيّة بعدما دخل في المحرّمات السّياسية، وعلى رأسها التّطبيع.
جدير بالذكر إنّ مدينة "إيلات"- أو المرشرش أو أيلة أو أمّ الرشاش بحسب الاسم الفلسطيني الأصيل- هي مدينة وميناء على ساحل خليج العقبة في البحر الأحمر، بنيت في العام 1953، وتقع في أقصى جنوب فلسطين المحتلّة بين مدينة العقبة الأردنيّة من الشّرق وبلدة طابا المصريّة من الغرب. تحتوي المدينة على ميناء يصل فلسطين المحتلّة بموانئ الشّرق الأقصى، ويوجد فيها مطاران - مطار صغير داخل المدينة وآخر أكبر يبعد 50 كلم شمالًا عنها- يخدمان السّياح. كما يربطها معبر حدودي مع مدينة العقبة الأردنيّة. من ناحية المواصلات البريّة؛ تُعدّ "إيلات" منعزلة عن باقي المدن المحتلّة، إذ يصل إليها شارع رئيسي واحد فقط يمر من وادي عربة. إذ لم تُرّسم الحدود الإسرائيليّة - المصريّة بين "إيلات" وطابا إلّا في العام 1988 بعد اتفاقيّة "كامب ديفيد" المشؤومة، ومنذ ذلك الحين يوجد معبر حدودي مفتوح على مدار السّاعة، يخدم السّياح العابرين من شبه جزيرة سيناء إلى "إيلات".