(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
من المهمّ جدًّا أن تكون هناك حال من التضامن العربي، وأن يكون هناك شعور للمواطن الخليجي بالانتماء للوطن العربي الكبير. فبعد سنوات بدا مجلس التعاون الخليجي بديلا للمواطن الخليجي عن جامعة العرب، حيث ظهر فيها بعض من التناقض بين أمن الخليج والأمن القومي العربي.
هذا الشّعور الإيجابي لدى المواطن الخليجي يضيف للخليج قوّة ومنعة، كما يضيف للعروبة صلابة وفائض للقوّة مبنيًا على وحدة المواقف وعدم السّماح بالاختراق واللّعب على المتناقضات وغرس الفتن. لكن، وللأسف، يبدو أنّ هناك فجوة بين المراد تسييده وبين الواقع، وربما شهدت القمّة العربيّة في جدّة بعضًا من الإيجابيات، ولكن هناك بعض المظاهر السلبيّة، والتي انعكست أيضًا في بيانها الختامي، بما يجعل هناك نوعًا من الارتياب في مصداقيّة إنجاز هذه القمّة للتضامن المطلوب، وبما يجعل الدعايات تتفوّق بعض الشيء على الحقائق.
هنا؛ نناقش بعضًا من تلك المظاهر؛ وذلك بهدف تداركها للوصول إلى الهدف المنشود:
أولاً: على مستوى البيان الختامي
بدا البيان الختامي أضعف بكثير من القمّة العربيّة السّابقة المنعقدة في الجزائر، بخصوص الأراضي العربيّة المحتلة، حين أشار بيان الجزائر إلى الدّعوة لتحرير الأراضي بما فيها الجولان ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا، بينما جاء بيان جدّة فضفاضًا، ومشيرًا إلى بعض الكلمات الإنشائيّة من قبيل وحدة الأراضي والاستقرار السّياسي. وهذه الكلمات التي لا تشكّل عنوانًا صريحًا يمكن تدشين برنامج تنفيذي محدّد لإنفاذه.
كما ركّز البيان الختامي على وجهة النّظر السعوديّة فقط، في القضايا الخلافيّة؛ مثل قضية اليمن، حيث طالب بالتأكيد على دعم كلّ ما يضمن أمن الجمهورية اليمنيّة واستقرارها، ويحقّق تطلّعات الشّعب اليمني الشقيق، وحصر ذلك في المبادرة الخليجيّة وآليّاتها التنفيذيّة ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرار مجلس الأمن الرّقم 2216، وتجديد الدعم لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن، وهو مجلس عُيّن سعوديًا، ويعكس تاليًا وجهة نظر سعوديّة محضة.
كما اشتمل البيان على عدّد مبالغ به من البنود التي تثمّن السعوديّة، مثل تثمين الحرص السّعودي على استقرار المنطقة، والذي أورد تثمين حرص المملكة العربيّة السعوديّة على كلّ ما من شأنه توفير الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار والّنمو الاقتصادي في المنطقة، وخصوصًا في ما يتعلّق بالتنمية المستدامة بأبعادها الثقافيّة والبيئيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وعملها خلال سنة رئاسة المملكة للقمّة العربيّة الرّقم 32، على عدد من المبادرات التي من شأنها أن تسهم بدفع العمل العربي المشترك في المجالات الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة، ومن ذلك:
1- مبادرة تعليم اللّغة العربيّة لغير الناطقين بها، والتي تستهدف أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين العرب، وكذلك مبادرة الثقافة والمستقبل الأخضر، والتي تهدف إلى رفع مستوى التزام القطاع الثقافي في الدّول العربيّة تجاه أهداف التنمية المستدامة، وتطوير السّياسات الثقافيّة المرتبطة بالاستدامة.
هذا بالإضافة إلى المساهمة في دعم الممارسات الثقافيّة الصديقة للبيئة وتوظيفها في دعم الاقتصاد الإبداعي في الدّول العربيّة.
2- مبادرة استدامة سلاسل إمداد السّلع الغذائيّة الأساسيّة للدول العربيّة، ومبادرة البحث والتميّز في صناعة تحلية المياه وحلولها، ومبادرة الحاضنة الفكريّة، وغيرها بما يشكّل دعاية خالصة للمملكة ولمشروع ولّي العهد السّعودي ورؤية العام 2030 الخاصّة بالمملكة.
إذ حتّى عندما ناقش البيان الأوضاع في السودان، فقد اهتمّ بالجهد السّعودي وأساس اجتماعات جدّة بين الفرقاء السّودانيين خطوة مهمّة يمكن البناء عليها، لإنهاء هذه الأزمة، وعودة الأمن والاستقرار إلى السّودان وحماية مقدّرات شعبه.
ثانيا: على مستوى اختطاف القرار
لقد شكّلت استضافة الرئيس الأوكراني "زيلنسكي"، بدعوة سعوديّة وليس من جانب القمّة، إحراجًا لكثير من الحاضرين والحريصين على إبداء الحياد في الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا، خاصّة وأنّها سابقة أولى للجامعة باستضافة رئيس خارجي لا يمثّل منظمّات دوليّة. وبسؤال وسائل الإعلام العالميّة للمسؤولين، في الجامعة، أقرّوا بأنّها دعوة سعوديّة وليست دعوة موجّهة من الجامعة، وهو ما يتنافى والمشاورات والعمل العربي المشترك.
ثالثًا: على مستوى التفاهم الحقيقي بين الأنظمة
شهدت القمّة خلافات صريحة تعكس، في جانب منها، عدم الاتفاق على أمور رئيسة بالشّكل اللائق بالجامعة وتمثيلها للعرب كافّة، وخروجها بالشكل المتسق مع هذا التمثيل، مثل اعتراضات قطر وانسحاب أميرها. وكذلك يعكس خلافات كبيرة تصل إلى حدّ التنافس، وربما الصراع، مثل عدم حضور الرئيس الإماراتي "محمد بن زايد"، وهو ما يؤكّد خروج الخلاف السّعودي - الإماراتي إلى العلن، وخصوصًا مع المبالغة في تثمين الدور السّعودي في بيان القمّة. وهو ما يبدو غريبًا على البيانات الختاميّة للقمم العربيّة، والتي لا تركز على دولة بعينها بهذا القدر، إلّا ربما في حال الحرب أو الأزمات الكبرى، وهو ما ينتفي وجوده حاليًا.
نقول ربما كانت ملابسات القمّة وبيانها الختامي تأكيدًا لما ذهب إليه كثير من المراقبين، بأنّها تهدف لتدشين قيادة السعوديّة للمنطقة. وهو أمر لو حدث من دون اتفاق وتراض ومؤهلات، فإنّه سيقود للغرض المعاكس، أي إلى التشرذم بدلّا من الوحدة، وهو ما يجعل التساؤل حول القمّة سؤالا وجيهًا: هل كانت قمّة عربيّة أم سعوديّة؟