(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
اعتمد مجلس الأمن الدوليّ قرارًا، وًصف بالتّاريخي، اشتركت في صياغته كلّ من الإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة المتّحدة، حول التسامح والسّلام والأمن الدوليّين، والذي يقرّ للمرة الأولى بأنّ خطاب الكراهيّة والتطرّف يمكن أن يؤدي إلى تفشي هذا الدّاء وتصعيده وتكرار النّزاعات في العالم. لقد اُتّخذ القرار بالإجماع، عقب اجتماع عقدته دولة الإمارات، والتي تتولّى حاليًا الرئاسة الدوريّة للمجلس. وخلال الجلسة؛ تحدّث شيخ الأزهر"أحمد الطيب" وكذلك المطران "بول ريتشارد جالاجر"، وزير خارجية الفاتيكان، والأمين العام للأمم المتحّدة "أنطونيو جوتيريش"
لاقي القرار انتقادات وتخوفًا من منظور حقوقي، ولكنّنا هنا نطرح نقدًا وتخوفًا آخر من منظور الأمن القومي الخليجي والعربي. وهنا نستعرض الطرح الحقوقي ومخاوفه، ثمّ نحاول توضيح المخاوف المتعلّقة بنا من منظور الأمن القومي.
أولًا: على المستوى الحقوقي
تخوّف الحقوقيون من أن يكون مجلس الأمن بموافقته قد أعطى "ختما بالموافقة" على استهداف أي شخص "متطرف"، وفاقًا لتفسير السلطات، والذي قد يكون واسعا للغاية. وتاليًا، يمكن أن يُستخدم القرار ضد المعارضين السّياسيين وأصحاب الرأي، لا سيما في دولة الإمارات، حيث يقول الحقوقيون إنّها تمتلك سجلاً حقوقيًا سيئًا، وفاقًا لما نقله موقع "ميدل إيست آي".
في هذا السّياق الحقوقي أيضًا، وفي تعليق على "تويتر"، قببل الاجتماع، قال "جوردان ستريت"، مستشار السّياسة والدّعوة في منظمة Saferworld الدوليّة غير الحكوميّة، إنّ القرار نصّ على استخدام كلمة "التطرف" فقط بدلًا من مصطلح "التطرّف العنيف"، والذي كانت الأمم المتّحدة تستخدمه دائمًا لتقييد مفهوم التطرّف الواجب مواجهته. لكن رفع كلمة "العنيف" من القرار يمكن أن يحوّل المصطلح إلى أداة تستخدمها الحكومات لإخراس المعارضة تحت دعاوى "التطرّف".
ثانيًا: على مستوى مخاوف الأمن القومي
يأتي القرار وسط انتشار الحديث عن التطبيع والاتفاقات الإبراهيميّة، بل وطروحات أخرى تناقش "الدّيانة الإبراهيميّة"، بوصفه مصطلحًا يعبّر عن دمج الدّيانات السّماوية وتفريغ كلّ دين من سماته، فهي خدعة لتسويغ التّطبيع مع دولة الاحتلال "اسرائيل"، كونه أمرًا شرعيًا يتوافق مع الدّين السّماوي! .. وهنا توجد عدّة قرائن، يمكن أن تؤكّد أنّ هذا القرار يدخل تحت بند التّطبيع، ومحاولة توريط رجال الدّين أو استغلالهم في هذا الطّرح، وهذه القرائن كما يلي:
1. هناك تصريحان للسفيرة "لانا زكي نسيبة"، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتّحدة، أحدهما في الجلسة، والآخر لتليفزيون "سي أن أن"، وبالجمع بينهما يتضح مضمون القرار الحقيقي وجوهره. فقد قالت السفيرة الإماراتيّة، في الجلسة، إنّ ميثاق الأمم المتّحدة: "يكرّس تصميمنا الجماعي باتّجاه الحفاظ على السّلم والأمن الدوليّين. وتحقيقًا لهذه الغاية، فإنّ الميثاق يؤكّد على الحاجة إلى ممارسة التسامح والتعايش السّلمي".
ففي حديثها قبل الاجتماع، قالت السفيرة الإماراتيّة لشبكة "سي إن إن": "إنّنا نسلّط الضوء على أنّ قضايا؛ مثل خطاب الكراهيّة والعنصريّة وكراهيّة الأجانب وكراهيّة الإسلام وكراهيّة المسيحيّة ومعاداة السّامية والتطرّف هي الأسباب الجذرية للصراع". تاليًا؛ فإنّ القرار يُدخل "معاداة السّامية" في صلب الموضوع، ويجعل من انتقاد التّطبيع أو رفضه تطرّفًا!
2. شارك شيخ الأزهر "أحمد الطّيب"، في جلسة نقاشيّة رفيعة المستوى في مجلس الأمن، بكلمة ركّز فيها على أهميّة تعزيز قيم الأخوة الإنسانيّة والتّسامح والاحترام المتبادل، وأهميّة ذلك في نشر السّلام واستدامته. وهذه هي المرّة الأولى التي يستضيف فيها مجلس الأمن هذا النّوع من المباحثات، والتي ضمّت نخبة من صنّاع القرار والقادة السّياسيين، وأكبر قائدين دينيّين في العالم ممثلين بشيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، واللذين وقّعا للعالم وثيقة الأخوة الإنسانيّة التاريخيّة، في العام 2019.
هذا يُعدّ إقحامًا للأزهر وللفاتيكان في عمليّة التّطبيع، وهو أمر يمكن أن يلقي بظلال مجتمعيّة خطيرة تمسّ دور الأزهر، بل وتمسّ الخطاب الإسلامي وتجعله مشبوهًا.
قد يكون للإمارات بصفتها دولة، حريّة اختيار التوجّه السّياسي ولها قراراتها السّيادية، ولكن استغلال الموقع في مجلس الأمن واستغلال رجال الدّين في تسويق التّطبيع، هو أمر غير مقبول، وينطوي على مخاطر تتعدّى حريّة الدّول وسيادتها وحقّها في اختيار المسار السّياسي.