(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تمثّل بريكس، الآن، نحو 23 بالمئة من الناتج المحلّي الإجمالي العالمي، وتضمّ دولها نحو 42 بالمئة من سكّان العالم، وتشكل أكثر من 16 في المئة من التجارة العالميّة. تاليًا؛ هذا يُعدّ بالفعل بديلًا عن الهيمنة الاقتصاديّة الغربيّة، لو التزمت دولها بهذا الهدف وعملت بجديّة لتحقيقه.
مؤخرا، دعت "بريكس" ست دولٍ للانضمام إليها، وشملت القائمة ثلاث دول عربيّة، وهي: السعوديّة والإمارات ومصر، إضافة إلى إيران والأرجنتين وإثيوبيا. وحول المعايير التي اتخذتها المجموعة للتوسّع ودعوة هذه الدّول، صرّح وزير الخارجية الرّوسي "سيرغي لافروف" بأنّها كانت تشمل وزن وهيبة الدّولة ومواقفها في السّاحة الدّوليّة.
إذ قال "لافروف"، خلال مؤتمر صحفي عُقد في ختام قمة "بريكس"، في جنوب إفريقيا: "النقاشات حول توسيع "بريكس" كانت مكثفة. لم تخلُ من مشاكل، لكن بشكل عام كانت كلّ دولة تستهدف اتخاذ القرار بضمّ أعضاء جدد. المعايير والإجراءات بالنسبة إلى المنضمّين الجدد أُخذت بالحسبان، لكنّ المعايير الأهمّ لقبول عضويّة دولة من الدّول المرشّحة كانت هيبتها ووزنها (السّياسي). وبطبيعة الحال، موقفها على السّاحة الدّوليّة؛ لأنّ الجميع متّفقون على أنّ نوسّع صفوفنا من خلال ضمّ ذوي أفكار مشتركة".
كما أوضح "لافروف" أنّ من الدّول التي تحمل الأفكار المشتركة، تلك التي تؤيد تعدديّة الأقطاب، وضرورة جعل العلاقات الدّوليّة أكثر ديمقراطيّة وعدالة، وزيادة دور الجنوب العالمي في آليات الحوكمة العالميّة.
تصريحات "لافروف" هذه تؤكّد الدّور السّياسي للمجموعة رغم شهرتها الاقتصاديّة، وربما هذا الدّور السّياسي قد أوضحه المحلّل الرّوسي الشّهير "الكسندر نازاروف"، إذ يقول إنّه، وبعكس المفهوم الراسخ والخاطئ، فإنّ مجموعة "بريكس+" ليست منظمة اقتصاديّة، إنّما منظّمة سياسيّة بحتة، على الرغم من احتفاظها بمظهر الأولى. ففي واقع الأمر، "بريكس+" هي رابطة للدول غير الراضية عن حقيقة أنّ تأثيرها السّياسي على النظام العالمي أحادي القطب أقلّ بكثير من إمكاناتها الاقتصاديّة أو العسكريّة، فهدف هذه الدّول الأوحد هو استبدال النظام العالمي الراهن بنظام جديد، يكون لهم فيه وزن أكبر بكثير.
هذا المفهوم يشكّل مدخلًا لمناقشة دور السعوديّة والإمارات في الانضمام للمجموعة، وهل يعكس تحوّلًا سياسيًا بالفعل باتجاه الشرق، أم أنّه هدف اقتصادي بحت، أم مناورة مع أمريكا لتحسين شروط التحالف؟
ربما كان خبر انضمام إيران إلى "مجموعة البريكس" أشدّ وقعًا على أمريكا من خبر انضمام الدّول الأخرى، حيث قالت التقارير الإيرانيّة إنّ إيران تُعدّ أكثر دولة تضرّرت قياسًا بباقي دول العالم، بالحظر الذي تتعرّض له من أمريكا، وعلى مدى أكثر من أربعة عقود، بسبب هيمنة أمريكا على النّظام العالمي، والذي تحوّل فيه الدّولار الى سلاح تستخدمة ضد الدّول التي ترفض هيمنها.
إنّ قرار ضمّ ايران إلى مجموعة بريكس وجّه ضربة قاسية لمحاولات الغرب، وعلى رأسه أمريكا لعزل إيران، فانضمامها هذا هو بمثابة مسمار في نعش الحظر الأمريكي المفروض على الشّعب الايراني؛ لأنّه سيعزّز علاقاتها الاقتصاديّة مع قوى عالميّة جديدة، كما سيسهم في تحقيق أهداف برامجها التنمويّة، واستقطاب شركاء اقتصاديين جدد على الصّعيدين الإقليمي والدّولي والوصول الى مصادر ماليّة جديدة.
في هذا السّياق، يمكن تفهّم المكاسب الإيرانيّة، والتي يأتي على أهمها فكّ العزلة الدّولية وتطوير تجارتها بعيدًا عن حصار العقوبات الاقتصاديّة. أمّا السعوديّة والإمارات، واللتان لا تخضعان لعقوبات، فمن المفترض أن تكون السّياسة هي المحرّك والدّافع، فهل يتمّ التناول بهذا المنظور السّياسي؟
هنا يجب أن نلقي نظرة على التناول الإماراتي والسّعودي لهذه الخطوة:
فيما يخصّ الإمارات، تقول وسائل الإعلام الإماراتيّة إنّ أهميّة انضمام الإمارات إلى مجموعة دول بريكس تتزايد؛ لأنّ التبادل التجاري يوفر فرصًا جديدة للشركات الإماراتيّة في الأسواق العالميّة، لا سيما بعد أن عملت دولة الإمارات، خلال السّنوات الخمسين الماضية، على تعزيز الشراكات الدّوليّة ودعم القدرة التنافسيّة لاقتصادها واستدامته.
كما سيسهم انضمام الإمارات إلى "مجموعة البريكس" في تعزيز دورها قوةً اقتصاديّة عالميّة، ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين الإمارات ودول العالم، لا سيما وأنّها من أسرع الدّول نموًا، ومن ثم فإّن تمكين علاقاتها الاقتصاديّة الدّولية عبر المزيد من الشّراكات يسهم في مزيد من النّمو والتطوّر والتنمية. كما يساعد انضمام الإمارات إلى دول بريكس، أيضًا، في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبيّة إليها، حيث تمثّل هذه الدّول مجتمعة مصدرًا مهمًا للاستثمار الأجنبي المباشر. كما يمكن أن يفتح المزيد من الأفق والخيارات أمام الشّركات ورؤوس الأموال الإماراتيّة، لا سيما وأنّ سياسة الدّولة تركّز على دعم الازدهار الاقتصادي على المدى الطويل، من خلال الاعتماد على استراتيجيات مبتكرة، وبناء اقتصاد يستند إلى المعرفة والتنوع وتعزيز التقدّم العلمي والتكنولوجي.
أمّا على الجانب السّعودي، وفي تقرير نشرته بلومبيرغ، تطرقت فيه إلى أثر انضمام المملكة العربيّة السعوديّة إلى "مجموعة البريكس"، يقول التقرير على لسان "جيم أونيل"، وهو الاقتصادي البارز والمخضرم في مجموعة "غولدمان ساكس" إن :"إضافة دول إلى كتلة البريكس ستكون ذات أهميّة اقتصاديّة إذا كانت المملكة العربيّة السعوديّة واحدة منها، ولكن بخلاف ذلك فمن الصعب رؤية هذه النقطة". وتابع: "انضمام المملكة العربيّة السعوديّة سيكون صفقة كبيرة جدًا"، مشيرًا إلى أنّ: "الروابط الوثيقة تقليديًا بين المملكة والولايات المتّحدة ودورها كأكبر منتج للنفط في العالم سيضيف ثقلًا إلى النادي (بريكس)".
كما تشير تقارير، تداولتها وسائل الإعلام، إلى أنّ انضمام السّعوديّة إلى "البريكس" قد يرفع حجم اقتصاد المجموعة بأكثر من 1.1 تريليون دولار. وتحدثت تقارير عن الأهمية التي يكتسبها انضمام السعوديّة والإمارات إلى هذه المجموعة؛ حيث إنّ البلدين منتجان رئيسيان للنفط، وسوف يستفيدان من تحسين العلاقات الاقتصادية مع الصين والهند، وهما مستهلكان رئيسيان للنفط.
في هذا الصّدد؛ يمكننا استخلاص الرؤية الاقتصاديّة البحتة للامارات والسعوديّة وعدم مناقشة الهيمنة الامريكية أو الدفع باتجاه عملات بديلة للدولار.
لكن فيما يخصّ الجانب السّياسي، فقد رجّحت تحليلات منشورة في وسائل إعلام خليجيّة، أنّ فتور العلاقات الأمريكيّة- السعوديّة دفع الرياض إلى الاقتراب أكثر من الصين وروسيا، من خلال طلب الانضمام إلى المجموعة السّاعية إلى كسر القطبيّة الأحاديّة في العالم، وقبلها انضمامها لمنظمة شنغهاي بصفة "شريك حوار". وقال المحلّل الاقتصادي السعودي "فواز كاسب العنزي"، في مقابلة صحفية في وقت سابق: إن "إنشاء هذا النظام جاء لموازنة أحادية القطب على المستوى العالمي". وأشار إلى أنّ هذا التكتل أعطى للدول الأعضاء نوعًا من التوازن ونوعًا من التبادل التجاري السريع، لإنعاش اقتصادياتها. ولفت إلى أنّ السعوديّة تبحث دائمًا عن توسيع دائرة الشراكة وتوسيع المصالح المشتركة مع دول متقدّمة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل.
لكن هناك جانب آخر مهم؛ لفت إليه الخبير الأمني والسّياسي العميد "مخلد حازم"،إذ قال إنّ دول الخليج لجأت للبحث عن تحالفات أخرى كـ"بريكس"، بسبب أنّ واشنطن: "ابتعدت عن الشرق الأوسط، خصوصًا منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وهي تبحث حاليًا عن تحالفات جديدة لحفظ مصالحها، كروسيا في الجانب العسكري، والصين في الجانب الاقتصادي". وأوضح "أن أمريكا خلال هذه المدة تعمل على إعادة بناء نفوذها في الخليج والمنطقة"، مشيرًا إلى "قيام واشنطن بإعادة تموضع قواتها في البحر الأحمر ومياه الخليج والبحر الأبيض المتوسط، بشكل كبير، كونها قوات تكتيكيّة لحسم عمليات قتالية".
كما يرى أنّ كلّ هذه المعطيات تعلم بها أمريكا "ولديها استراتيجيات في كيفيّة التعامل مع هذه الأوضاع"، مشيرًا إلى أنّ: "الأيام القادمة ستشهد المزيد من التوضيحات، وسيعلم الجميع سبب عودة واشنطن إلى الشرق الأوسط، أهو بسبب إعادة بناء الثقة وتقديم ضمانات لحلفائها بالخليج والمنطقة، أم أنّ هذا مجرد استعراض للقوة وإعادة ترتيب للموازين في المنطقة؟!..".
هذا يصبّ في خانة أنّ دول الخليج تسعى لجذب أمريكا مجددا إلى المنطقة، وعندما نتأمل الموقف الرسمي الأمريكي من هذه الخطوة، فإنّ هذا الاحتمال يزداد وجاهة. فقد علّقت وزارة الخارجية الأمريكيّة على قبول "مجموعة البريكس" انضمام أعضاء جدد إليها، قائلة إنّ واشنطن ترى أنّ للدول الحقّ في اختيار الشركاء والجمعيات بشكل مستقلّ. وقالت الخارجية الأمريكيّة: "الولايات المتّحدة كما كانت في السابق ترى أنّ الدّول يمكنها اختيار شركائها وجمعياتها التي ستتفاعل معها. وسنواصل العمل مع شركائنا وحلفائنا في المنتديات الثنائيّة والإقليميّة والمتعدّدة الأطراف لتعزيز رفاهيتنا المشتركة والحفاظ على السّلام العالمي والأمن".
وقال "جيك سوليفان"، وهو مستشار الأمن القومي الأمريكي، بالتزامن مع انعقاد القمة الأخيرة: إن "الولايات المتّحدة تستبعد تحوّل مجموعة دول البريكس إلى منافس جيوسياسي لها، أو لأي بلد آخر"، مضيفًا: "هذه مجموعة متنوعة من الدّول، لديها اختلاف في وجهات النظر بشأن القضايا الحاسمة".
هنا يتجدّد السّؤال، هل السعوديّة والإمارات يتعاطيان مع الوجه السّياسي للمجموعة أم أنهّا مجرد منفعة اقتصاديّة، وهل الأمر يشكّل التفاتة استراتيجيّة باتجاه روسيا والصين، أم مناورة لإعادة أمريكا بقوّة إلى المنطقة؟
قد تكون تطوّرات الأحداث كاشفة، وتقدمّ إجابات أوضح على هذه التساءلات.