(فؤاد السحيباني \ راصد الخليج)
عشيّة زيارة الرئيس الأميركي "جو بايدن" إلى دولة الاحتلال، وقعت أسوأ المجازر التي عاينها هذا الجيل، وأكثرها ترويعًا على الإطلاق، وربما هي الأقسى في التاريخ الإنساني بجملته. فقد استهدف العدو المجرم المستشفى المعمداني، في مدينة غزة الصامدة، بقنابل أميركية شديدة التدمير، ما أدى فورًا لارتقاء 500 شهيد، ومئات الجرحى والمصابين، 500 إنسان قضوا في لحظة مخيفة من الزمن، انتهت حياتهم أمام عيون مئات الملايين من العرب المتابعين الصامتين.
الجريمة الصهيو- أميركيّة كان لها أن تهزّ الضمائر وتستفزّ البقيّة من المشاعر الإنسانيّة، في العالم كلّه، وحرّكت بالفعل جموعًا غاضبة، وصلت حتى بريطانيا وفرنسا والولايات المتّحدة وفي الدّول العربيّة، حتى تلك التي طبعّت وأقامت علاقات دبلوماسيّة مع العدوّ، منذ عقود طويلة، مثل مصر والأردن..
باختصار كانت الجريمة أعنف من أن تمرّ، وهي قد وضعت تاريخ 17 تشرين الأوّل بجوار غيره من مذابح الكيان الشّيطاني، يومًا خالدًا للغضب العربي، وعنوانًا لثأر مطلوب، اليوم وغدًا، وفي كلّ لحظة.
الخطاب السّعودي الرسمي لم يحدث نهائيًا، كأنّ المملكة خرست أو أُخرست. من المفهوم أن إعلان وليّ العهد "محمّد بن سلمان" عن خطة التطبيع قبل انطلاق "طوفان الأقصى" بأيام، قد وضعه في موقف مأزوم. فهو لا يستطيع أن يمضي في طريقه بالعداء المباشر مع "الكلّ"، في المملكة وحولها، وفي الوقت ذاته، هو يبحث عن دور ما في الشرق الأوسط الذي يؤمن به ويراه أميركيًا، وهذه هي نقطة الخطر.
في اليوم السابع من تشرين الأوّل، بدأت عمليّة أو معركة "طوفان الأقصى" بين الكيان وفصائل المقاومة الفلسطينيّة، ومهما قيل أو كُتب عن حجم الخسائر الإنسانيّة الفلسطينيّة وعمقها، وعن عمق الجرائم الصهيونيةّ، والتي استخدمت أقصى درجات القوة الغاشمة في محاولة كسر إرادة الشّعب الفلسطيني، فإنّ المعركة كلّها تشير إلى نصر فلسطيني قد تحقق وهزيمة صهيونية وأميركية قد وقعت، ولم يغطها إلقاء العدوّ 33 طنًا من المتفجرات على كلّ كيلومتر مربع واحد في غزة منذ بدء العدوان!
ما جرى هو أنّ فصائل مقاومة في مدينة صغيرة محاصرة، معدومة الإمكانات تقريبًا، قد وجّهت صفعة مدويّة وعميقة للكيان وللولايات المتّحدة الأميركيّة من ورائه، وظهرت دولة الاحتلال مشتتة وهشّة وضعيفة بأكثر ما توقّع أكثر المتفائلين، وما جرى لسلاحها وهيبتها وصورتها الذهنيّة أمام الجماهير العربيّة –بالذات- يجعل من المستحيل ترميمها أو استداركها، مهما بلغت الجرائم الوحشيّة التي تجري اليوم، ومهما جرى تغطيتها أو إمدادها بالمال والسّلاح من واشنطن..
إننا، اليوم، نقف أمام واقع جديد ومغاير، عقب زلزال 7 تشرين الأوّل، وهو ما لا يصحّ تجاهله أو استبعاده من معادلة الحساب أو رؤية المستقبل.
خطاب وزير الخارجيّة السّعودي "فيصل بن فرحان آل سعود"، في مجلس الأمن الدّولي، جاء متوافقًا و"رؤية" تحكم السّياسة الخارجيّة السّعودية، ترى لنفسها مع واشنطن و"تل أبيب" مكانة ومكانًا. هذا الخطاب خاصم، في فجر وتصميم، الضمير الإنساني وعروبة القلب ورشد العقل المسؤول، وتعامى عن حقائق جديدة قامت فوق الأرض، تقول إنّ العالم العربي قادر على فرض وانتزاع ما يريد من الكيان المحتلّ، ولو وقف ضده الغرب كلّه، وأميركا بكلّ جبروتها وسلاحها وحاملات طائراتها عاجزة عن تقديم العون على الأرض للعدوّ الإسرائيلي، بالرغم من نواياها ودعمها غير المحدود.
السّعودية، أو وليّ عهدها، تناسى في موقف غبي ومعتاد أنّ أي دولة عربيّة وحدها هي دولة صغيرة محدودة الإمكانات، مهما بدا من كثرة الموارد، وأن وجود السّعودية في قلب الأمتين العربيّة والإسلاميّة ليس شرفًا مجانيًا، لكنّه دور يرتّب ثمنًا، وله أعباء تّدفع.. ليس فقط دفاعًا عن مصالح السّعودية، ولكن أولًا لصيانة القضايا العربيّة ونصرتها، ودرس التاريخ البليغ قائم في مصر اليوم، التي كانت منذ عقود الدّولة الرائدة لعالمها العربي حين كانت منخرطة في الصراع، اليوم تتسوّل الصورة وتنبطح، حتى كادت تسقط من مكانها بلا حراك، والعبرة هي أنّ هوان الإرادة لا يردّه مال ولا يشفع عنده.