(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
التداعيات الاستراتيجية لطوفان الأقصى تبدو أنها ستتجاوز الجغرافيا الفلسطينية لتتحول إلى صراع ممتد ومتوسّع، بعد الإصرار الصهيوني على لعب معركة صفرية مع المقاومة. ونذر التوسّع باتت واضحة المعالم والجبهات، حيث أصبحت جبهة البحر الأحمر جبهة رئيسة بعد أن أثبت اليمن مصداقية تهديداته للسفن التجارية الصهيونية، وتنفيذه لعدة عمليات بالاحتجاز أو الاستهداف.
لعلّ اليمن أثبت تعقلها؛ حينما أوضح أن العمليات لا تقصد تعطيل التجارة العالمية ولا إغلاق باب المندب، مع قدرتها على فعل ذلك، وأوضحت أنها تستهدف العدو الإسرائيلي حصرًا على خلفية عدوانه على غزة. وبالرغم من ما مرّ به اليمن من مصاعب وحرب طويلة استهدفت اقتصاده وبنيته التحتية، إلا إنّ مشاركته الفعلية في مساندة غزة والشعب الفلسطيني باتت تشكّل إحراجًا لدول الخليج، والتي تمتلك أوراقًا للضغط، ولم تستخدم أيًا منها لمناصرة فلسطين، وهو أمر بات محلّ انتقادات وغضب شعبي.
لكنّ الأسوأ من الصمت الخليجي هو نذر مشاركة الخليج لأمريكا وبعض القوى الدولية في مواجهة التهديدات اليمنية للصهاينة، وذلك تحت عنوان حماية الملاحة في البحر الأحمر. ومع أنّ اليمن لم يهدّد سوى العدو الصهيوني، فهذا التحالف سيكون لحماية العدو الصهيوني، وهو أمر بالغ الخطورة، مثلما شُكّلت الأخبار والتقارير التي أفادت بمشاركة الدفاعات الجوية لبعض دول الخليج حماية للعدو الصهيوني من الصواريخ اليمنية.
ومؤخرًا، كشف مسؤول في وزارة الحرب الأميركية أن أميركا تسعى لإنشاء قوة دولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر. وأوضح المسؤول في البنتاغون أن واشنطن تسعى إلى انخراط 40 دولة في القوة الدولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر. وأضاف المسؤول- وفقًا لما نشرته "سكاي نيوز عربية- أنّ: "القوة الدولية المزمع تشكيلها لحماية الملاحة في البحر الأحمر ستشمل مساحة 3 ملايين ميل من المياه الدولية، وهذه القوة ستضمّ دولاً أعضاء في سنتكوم (القيادة المركزية الأميركية)".
وكانت "إسرائيل" قد طلبت، بشكل رسمي، من عدة دول- بينها بريطانيا واليابان- تشكيل قوة عمليات مخصّصة للعمل في البحر الأحمر من أجل ضمان حرية الممرات الملاحية هناك. ومن المعرف أن سينكوم أوكل لها قيادة العمل في ثلاث مناطق: الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، وجنوب آسيا (القارة الهندية وأطرافها) ومقر قيادتها الإقليمية هي قاعدة العديد في قطر، إلى جانب القيادة الوسطى للبحرية الأميركية والأسطول السادس في البحرين.
وفي العام 2013، أنشئت قواعد مؤقتة تابعة للقيادة المركزية- واحدة منها في الأردن- يعتقد أن سببها هو تطورات الوضع في سوريا. وشملت هذه القواعد: الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة، سلطنة عمان، باكستان، آسيا الوسطى، وغيرها. وانضمّت "إسرائيل" إليها في بداية العام 2021، في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وفي العام الماضي 2022، قال قائد سنتكوم الجنرال مايكل كوريلا نصًا مفاده: "نحن ملتزمون بتعاوننا العسكري مع الرياض.. وإيران هي أكبر تهديد للأمن والاستقرار الإقليميين". وهذا يعني توريط السعودية في مواجهات مع ايران، وكشف كوريلا عن "مصيدة" أميركية- سعودية مبتكرة بالتعاون مع الشركاء في المنطقة، للعمل على تطوير مركز لتجريب مبادرات مبتكرة لمكافحة الطائرات المسيّرة من دون طيار.
وشدّد الجنرال على التزام بلاده بتعميق التعاون والتنسيق بين القيادة المركزية الأميركية وجميع شركائها، في المنطقة، لمكافحة التهديد الحوثي- الإيراني المشترك لمهاجمة المملكة بالطائرات المسيّرة من دون طيّار. ومؤخرًا؛ تواترت التقارير المنقولة عن مصادر دبلوماسية وأمنية أن دولة الإمارات بدأت سلسلة هجمات ضد جماعة أنصار الله “الحوثي” في اليمن بالتنسيق الكامل مع "إسرائيل".
وقالت المصادر إنّ للإمارات تحالفًا عسكريًا غير معلن مع "إسرائيل" لمهاجمة جماعة الحوثي عقابًا لها على تحركاتها ضد "إسرائيل" نصرة لقطاع غزة في ظلّ ما يتعرض له من مجازر دموية. وذكرت المصادر أن الإمارات قصفت بالتنسيق مع إسرائيل مستودعات للصواريخ والطائرات المسيّرة تابعة لجماعة الحوثي في صنعاء.
وفي العام 2019، بدأ تحالف عسكري بحري بقيادة الولايات المتحدة، في البحرين، لحماية الملاحة في منطقة الخليج. وشارك في هذا التحالف ست دول إلى جانب الولايات المتحدة؛ وهي: السعودية والإمارات والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألبانيا. وأطلق على المهمة البحرية اسم "سنتينال"، وقيل وقتها إنّه من المتوقع أن تشمل مياه الخليج، مرورًا بمضيق هرمز نحو بحر عمان ووصولاً إلى باب المندب في البحر الأحمر.
هنا؛ من الصعب عدم توقّع أن تكون القوة المزمع تشكيلها خالية من دول الخليج، وهو خط تجاوز الصمت ليصل إلى خط متقدم جديد، وهو حماية الكيان الصهيوني.
فهل هذا يليق بدول الخليج، وهل يمكن أن تمرّره شعوبه؟