(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
ممّا لا شك فيه أن زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي للكيان الصهيوني، واستباقها بزيارة للمملكة العربية السعودية، هو مؤشر على الإصرار الأمريكي للربط بين السعودية والكيان وتنفيذ التطبيع المزمع أيا كانت الظروف والجرائم الصهيونية المرتكبة في غزة.
ومع أن السعودية تنادي بوقف إطلاق النار، ولا تعلن نوايا التطبيع بشكل رسمي، إلا أن وجودها على رأس لجنة اتصال مع أمريكا منبثقة من القمة العربية الإسلامية، يعني أن هناك تنسيقًا سعوديًا أمريكيًا خاصًا بالرغم من قيادة أمريكا للعدوان على غزة. ولعل زيارة "جاك سوليفان" للسعودية والكيان الإسرائيلي، هي لتكريس تلك الفكرة، بأن السعودية على رأس المنسقين إقليميًا مع أمريكا لما بعد الحرب، ومنه بلا شك ملف التطبيع، والذي يعدّ "سوليفان" من كبار مهندسيه.
وقد شهدت قمة مجلس التعاون الأخيرة في الدوحة، محادثات بين دول مجلس التعاون الخليجي حول عدد من المشروعات المشتركة، أهمها مشروع "قطار الخليج" الذي سيشكّل ممرًا جديدًا للتنمية بين دول المجلس الستة. ويُعد مسار قطار الخليج ثاني أطول مسار من نوعه في قارة آسيا، بعد سكك حديد الصين، وهو مشروع مماثل للقطار الذي يربط دول الاتحاد الأوروبي ببعضها.
ونقلا عن موقع مجلس التعاون الخليجي، يبدأ مسار سكة حديد دول المجلس من الكويت مرورًا بالدمام إلى مملكة البحرين ومن الدمام إلى قطر عن طريق منفذ سلوى وسيربط قطر بالبحرين، ومن السعودية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة أبو ظبي والعين، ومن ثم إلى مسقط عبر صحار.
لكن هذا المشروع يتقاطع مع مشروع تطبيعي كبير، حيث قال نتنياهو، في يوليو الماضي، في اجتماع أسبوعي لمجلس الوزراء الصهيوني: "في المستقبل سنتمكّن من ربط إسرائيل بالقطار بالمملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية أيضا". وقال نتنياهو إن: "مشروع إسرائيل الواحدة الذي يربط الدولة اليهودية من أقصى نقطة في الشمال إلى إيلات في الجنوب، سيكون مقدمة لخط السكك الحديدية الإقليمي وأساس ربط دول الخليج بإسرائيل".
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، دفعت الولايات المتحدة خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين، باتجاه مشروع "ممر" طموح من شأنه أن يربط الهند وأوروبا، عبر خطوط السكك الحديد والنقل البحري تمر بالشرق الأوسط، مع دور قيادي للمملكة العربية السعودية. وجرى التوقيع على اتفاق مبدئي في نيودلهي، بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وفقًا لبيان نشره البيت الأبيض.
وقال الرئيس الأميركي معلّقًا على هذا التوقيع: "إنه أمر مهم حقًا"، متحدثًا عن اتفاق "تاريخي" خلال مشاركته في ندوة جمعت القادة المعنيين.
وجاء في وثيقة نشرتها إدارة "بايدن" بشأن إعلان "الممر" الكبير بين الهند وأوروبا: "نريد إطلاق حقبة جديدة متصلة عبر شبكة سكك حديد، وربط الموانئ في أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا". والهدف هو إنشاء "عقد تجاري"، مع "تشجيع تطوير وتصدير الطاقة النظيفة"، وفقًا للوثيقة. وسيشمل المشروع أيضًا مدّ كابلات بحرية.
وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض "جايك ساليفان" إنّ المشروع يجب أيضًا أن: "يعزّز التكامل في الشرق الأوسط"، بما في ذلك بين "شركاء غير محتملين"، مشيرًا في الوقت ذاته إلى إسرائيل والأردن من بين الدول المعنية.
وقد أظهرت الرسوم المسرّبة لخط سير المشروع أنه سينطلق من الهند إلى الإمارات عبر بحر العرب، ثم منها إلى السعودية؛ حيث تمر بأراضيها أطول مسافة برية في قلب شبه الجزيرة العربية، ثم إلى الأردن ومنها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة (إسرائيل) ثم إلى البحر المتوسط عبر موانئها، حتى تصل إلى إيطاليا وفرنسا في الساحل الشمالي للمتوسط ثم إلى ألمانيا.
وكان ملفتًا تجاهل المشروع باقي دول المنطقة، كما بدا وكأنه إحياء لأفكار ومشروعات ظهرت في عهود سابقة لتهديد قناة السويس.
في العام 2018، نشر موقع "عرب 48" مشروع قطار سكك حديد إسرائيلي يربط إسرائيل بالدول العربية. ويهدف المشروع إلى أن يكون الأردن مركزًا إقليميًا للنقل البري، والذي سيُربطه بنظام سكك حديد إقليمي إلى إسرائيل والبحر الأبيض المتوسّط وأوروبا في الغرب، كما سيتمّ ربط الأردن بالسعودية ودول الخليج والعراق في الجنوب الشرقي والشرق، والبحر الأحمر عبر العقبة وإيلات في الجنوب، وذكرت شركة الأخبار الإسرائيلية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اتّفق مع وزير الاستخبارات والمواصلات يسرائيل كاتس، على التسريع لمبادرتهما المشتركة "قطار السلام" الذي سيربط بين القارات ويعتمد بمساره على سكة حديد الحجاز القديمة.
وحسب وزير المواصلات، كاتس، فإنّ "قطار المرج" سوف يستخدم مستقبلًا كممر مواصلات إقليمي لحركة البضائع بين أوروبا والشرق الأوسط ويشكّل ربطًا للبحر المتوسّط وجسرًا للسلام، ويعزّز ربط البحر المتوسّط بالأردن، ومن هناك إلى الخليج العربي، ويستخدم ممرًا مكملًا لمسار الحركة البحرية حول الجزيرة العربية". وأضاف إن رؤيته هي "ربط السعودية ودول الخليج والأردن بميناء حيفا والبحر المتوسّط، الأمر الذي يجعل من إسرائيل مركزًا إقليميًا للنقل البحري ما يعزّز الاقتصاد الإسرائيلي.
بهذا؛ يتضح مدى التقاطعات بين هذه المشاريع وكم هي تبدو مشروعًا واحدًا، فهل يسير التطبيع الخليجي مع العدو في مسار منعزل عن الحرب والجرائم المرتكبة في غزة؟