(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
من أكبر الانزلاقات للحرب في غزة، بين العدوان الذي تقوده أمريكا والمقاومة التي يقودها الشعب الفلسطيني، تأتي جبهة البحر الأحمر مؤشرًا لخطر مواجهات كبرى محتملة، بعد الإعلان عن تشكيل ائتلاف دولي بذريعة تأمين الملاحة الدولية، في مواجهة الخطوة التي اتخذها اليمن بفرض حصار بحري على العدو الإسرائيلي في مقابل حصار غزة.
وبالرغم من إعلان اليمن مرارًا وتكرارًا أنّه لايستهدف الملاحة الدولية؛ وأثبت ذلك عمليّا باستهدافه للسفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني حصرًا، إلا أنّ أمريكا التي تدّعي زورًا أنها تسعى لإدخال المساعدات للشعب الفلسطيني وهي تضغط على العدو، قد قامت بتشكيل هذا التحالف لإتاحة المجال للكيان للعمل بيد طليقة في قتل الشعب الفلسطيني وتجويعه.
إزاء هذا الواقع؛ نحن أمام حقيقة واضحة، وهي أن كل المشاركين بهذا التحالف يعملون لصالح "إسرائيل"، ويوفرون الفرصة والغطاء للجرائم المرتكبة بحق أهالي غزة، ما يعن تاليًا أنهم شركاء في هذه الجرائم.
بعد الاستهدافات اليمنية لمصالح العدو الإسرائيلي؛ تواصل شركات الشحن العالمية إعلانها تجنّب المرور في البحر الأحمر، تحاشيًا لتعرضها للخطر الذي يزيد قيمة التأمين في منطقة يمرّ بها نحو 40 في المئة من حركة التجارة العالمية؛ فأي مواجهات بحرية ستؤثر على خطوط النقل العالمية. فبحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فقد مرّ نحو 12 في المئة من إجمالي النفط المنقول بحرًا، في النصف الأول من 2023، وكذلك 8 في المئة من تجارة الغاز الطبيعي المسال من باب المندب وخط أنابيب سوميد وقناة السويس.
ولأهمية المنطقة استراتيجيًا للمصالح الأمريكية، تعمل في المنطقة فرقة العمل المشتركة "153"، والتي أسست في أبريل/ نيسان 2022، وتختص بالأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، وتضم 39 دولة عضوًا، ويقع مقرها الرئيسي في البحرين.
وفي منتصف ديسمبر /كانون الأول 2022، أعلنت مصر تولي القوات البحرية المصرية قيادة قوة المهام المشتركة، فحددت حينها الهدف في "تحسين البيئة الأمنية في جميع المناطق والممرات البحرية وتوفير العبور الآمن لحركة تدفق السفن عبر الممرات الدولية البحرية، والتصدي لكل أشكال وصور الجريمة المنظمة التي تؤثر بالسلب على حركة التجارة العالمية ومصالح الدول الشريكة"، وتتولى الولايات المتحدة قيادة تلك القوة بدءًا من 12 يونيو/حزيران 2023.
لذلك؛ فإنّ تسارع وتيرة التحركات العسكرية، في البحر الأحمر، يثير المخاوف من توسع رقعة المواجهة في المنطقة التي يوجد بها الكثير من القوى البحرية الدولية، بالإضافةً إلى وجود 11 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي القريبةمن مدخل البحر الأحمر لدول متنافسة إقليميًا ودوليًا، من بينها وفقا للتقارير، "الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وتركيا"، كما تسعى روسيا للوجود في المنطقة عبر التعاون مع إريتريا، حيث سبق أن أُعلن خلال زيارة العام الماضي لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى أسمرة، اتفاق للإفادة من الخدمات اللوجيستية لميناء مصوع الإريتري، بالإضافة إلى محاولات روسية عديدة مع السودان..
هذا يعني أنّ الدول التي تغامر بالتحالف مع أمريكا ستصبح مصالحها مهدّدة، كما تعهد بذلك الزعيم اليمني عبد الملك الحوثي والذي نصح هذه الدول بألا تتورط مع أمريكا في العدوان؛ لأنّ مصالحها في أمان لو ظلت بعيدة. وبالطبع ما قاله الحوثي ينطبق على الدول العربية، وخاصلة السعودية والإمارات والبحرين؛ لأنّ أي اشتباك عسكري بحري مع هذا التحالف سيجعل دول التحالف كلها هدفًا عسكريًا. إلا أنّ البحرين قد سبقت إلى هذه المواجهة، وهي تضمّ الأسطول الخامس الأمريكي الذي يقود التوتر والعسكرة للخليج والبحر الأحمر، وربما أحجمت السعودية والإمارات عن المشاركة المباشرة في التحالف، حتى لا تخرق الهدنة وتندلع الحرب مجددًا مع اليمن.
في هذا السّياق؛ من المهم أن نتذكر يوم 3 سبتمبر/ أيلول الماضي، وقبل اندلاع الحرب في غزة، وصل وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى البحرين في زيارة رسمية استمرت ليومين. وشهدت الزيارة تدشينًا رسميًا لمبنى السفارة الإسرائيلية في العاصمة البحرينية المنامة، كما شهدت توقيع عدد من الاتفاقيات التجارية، بحسب ما أفاد بيان للخارجية الإسرائيلية. كما زار المسؤول الإسرائيلي قاعدة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، حسبما أفادت تقارير إعلامية إسرائيلية.
كانت هذه الزيارة قد أُرجئت من جانب المنامة في يوليو/ تموز، وذلك في أعقاب زيارة للمسجد الأقصى قام بها وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير. فهل البحرين الذي لم يمنع العدوان والجرائم على غزة مجبر على المشاركة في هذا التحالف المعلن لحماية "اسرائيل"، أم أنها ليس لها من سيادتها كلمة وعاجزة عن الفعل ومسيّرة أمريكيا دون حول أو قوة؟
ألا يوجد للسعودية والإمارات دور فاعل ومؤثر لمنع هكذا مواجهة؟ على الأقل تعويضًا عن تقصيرهم في استخدام أوراق القوة لحماية الفلسطينيين وردع العدوان الصهيوني، أم أنهم موافقون ولا يريدون فقط الإعلان تجنبًا للمواجهة المباشرة مع اليمن؟
في جميع الأحوال؛ لن تستطيع دولة مشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمضائق تجنّب التورط في هذه المواجهة؛ لأنّها ستجبر على الاصطفاف، سواء لوجستًيا أم عسكريًا أو استخباراتًيا، وهو أكبر اختبار خليجي لا يمكن معه استخدام المناورة أو التخفي أو التلاعب بالمواقف والتصريحات.