(فؤاد السحيباني \ راصد الخليج)
إذا كان هناك شاهد مادي مطلوب بكثير من الإلحاح لقراءة مستقبل عام جديد، بدأت نذره مبكرة ومحذرة، فإنّه سيكون بالتأكيد في حصاد العام الحالي الذي يوشك على المغادرة، بكل أرقامه وبياناته ونجاحاته وإخفاقاته، ما رسمناه حلمًا قبل بدايته وصدمنا خيبة في نهايته. وسيكون الكشف أسهل في ظل ثباتٍ جامدٍ لأفكار المملكة ورؤاها وخططها وسياساتها التي تكاد لا تتغير، مهما استدعت الأحوال والظروف المستجدة.
البنك الدولي أصدر أحدث تقاريره عن "آفاق أسعار السلع الأولية"، في نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ومعها استعرض حصاد العام 2023. وهو تقرير جد متشائم، ويحمل مخاوفَ كبيرة وعميقة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية بالذات، وفي ما يخصّ أهم أولوياتها وأكثر مصالحها حساسية، سواء فيما تعلق بأسعار النفط التي ترتبط بمعدل النمو العالمي أم توقعات أسعار الحبوب والأغذية العالمية، وهي الأخرى ضرورة حيوية مؤثرة، بشكل مباشر، في الحياة اليومية وتنعكس على المواطن العادي.
افتتح البنك الدولي تقريره الجديد، بصورة صادمة عن تصورات المستقبل، والذي هو قريب جدًا. ويقول إنّه إذا كان عنوان العام 2022 هو الشك والمفاجآت، فإنّ العام 2023 هو العام الذي تبدّدت فيه المساواة. ويؤكد التقرير أنّ التحديات التي تهدد الاقتصاد العالمي، منذ جائحة كورونا، ما تزال مستمرة معنا، تلفحنا بالتداعيات والآثار والأضرار، بفعل توازي ضرائبها الفادحة مع وقوع سلسلة من العوامل الأخرى المحفزة والصعبة، منها: تهديدات التغير المناخي ونتائجه السلبية، أوضاع التراجع وانعدام الأمن في العديد من البلدان، الحروب القائمة في أكثر من بلد في العالم، بالطبع على رأسها الصراع في الشرق الأوسط في فلسطين، والصراع الروسي الأوكراني في أوروبا.
يضيف تقرير البنك الدولي ضوءًا جديدًا على مسألة، في غاية الأهمية للمملكة العربية السعودية، بأنّ الدول الأكثر هشاشة ستعاني بشدة ارتفاعًا في مستويات الفقر، كما ستزيد من الضغط على الموارد الشحيحة بفعل محاولة عبور هذه الأزمات المتزامنة كلها. كما يتوقع البنك الدولي أن "يبلغ متوسط أسعار النفط 90 دولارًا للبرميل في الربع الحالي، قبل أن تتراجع إلى 81 دولارًا للبرميل في المتوسط في السنة القادمة، مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي". وبالإضافة إلى ذلك؛ فإنّ "اندلاع الصراع في الشرق الأوسط، في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأولية، وإن كان تأثيره ضئيلًا حتى الآن، وما تزال أسعار معظم السلع الأولية أعلى من متوسطها في 2015-2019".
ما يتوجّب على العقل التحسّب له من مخاطر توقعات الاقتصاد العالمي في 2024، هو أن التقارير الاقتصادية كافة تشير إلى زيادة معاناة الطبقات الأفقر، وستكون المعرضة أولًا لصدمات التضخم، والذي سيضيف إلى الطبقة الأفقر شرائح أخرى، لتزيد المشكلة بوجهيها، وذلك مع تجاهل السياسات الاقتصادية المطبقة في المملكة الأخذ بحلول جديّة وناجحة لأزمة الفقر، وأولها إنكارها من الأصل.
نسب الفقر، في المملكة العربية السعودية، طبقًا لأرقام وبحوث لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا"، تقول إنّ معدلات الفقر في المملكة هي الأعلى بالنسبة إلى دول الخليج كلها، حيث تسجل 13.6% من المواطنين، أي مواطن من بين كل 7 سعوديين، بالمقارنة بنسبة 0.4% في قطر، تتضح فداحة النسبة السعودية، وحتى النسب الرسمية غير المحدثة لا تدور حول أقل من 10%.
ما يزيد الطين بلّة هو نسبة البطالة بين المواطنين، والتي لا تعرف الحلّ أبدًا، آخر بيانات الهيئة العامة للإحصاء، والصادر في نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، يكشف عن وصول نسبة البطالة إلى 8.3% في الربع الثاني من العام 2023، والبطالة هي الأخرى سترفد طوفان الفقر القائم بالمزيد والمزيد من الضحايا، وستعمل على مضاعفة المأساة الاجتماعية بكل صورها الأليمة، وبانعاكسها المروع على المجتمع، كما ستعمّق من التفاوت الهائل في الدخول الحقيقية لأبناء البلد الواحد، ما يجعل من الحياة نوعًا من الجحيم لطبقات بعينها، وهذا بالضبط ما يحتاج إلى وقفة واضحة قاطعة، لا حفلات جدة ولا مواسم الرياض.