(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تتواتر التقارير، عبر عدة مصادر متنوعة ورصينة، لتفيد بأنّ ثمة مؤشرات تشير إلى تصاعد التوتر بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة، على الرغم من عدم اعلان الحكومتين لذلك علنًا. ولكن بات جليّا أنّ العلاقات بالفعل توترت بسبب مجموعة من الخلافات حول الملفات والقضايا الإقليمية، وتباين وجهات نظر الطرفين فيها لدرجة تصل إلى الصدام السياسي في بعضها.
من أهم هذه الملفات هو الوضع في ليبيا والتطبيع مع "إسرائيل" وعلاقة الإمارات التي تطورت بشكل ملحوظ مع المغرب، وخاصة بعد التوتر الكبير بين المغرب والجزائر.
وبالرغم من وجود علاقات اقتصادية بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة، إلّا أنّ هذا لا ينفي التوتر ويبدو أنه أصبح سمة مميزة للإمارات؛ حيث لا يعدّ تبادلها الاقتصادي مع أي دولة مؤشرًا بالضرورة لسلامة ومتانة هذه العلاقة.
الملفت أنّه، ومنذ انتخابه رئيسًا للجزائر في العام 2019، زار عبد المجيد تبون عددًا من دول الخليج العربية من بينها الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية، لكن لم يزر الإمارات العربية المتحدة. وكان غياب الزيارات متبادلًا، فالرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من بين القادة القلائل الذين لم يحضروا قمة الجامعة العربية التي استضافتها الجزائر.
كما تشير عدة تقارير، وردت في وسائل إعلام جزائرية، إلى توترات في العلاقات مع الإمارات، ومن أبرزها ما يشير إلى أنّه قد جرى التصويت على ترشيح الجزائر للانضمام إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بصفة عضو غير دائم، وكان الاقتراع سريًا، لكن وسائل الإعلام الجزائرية قالت إنّ الإمارات كانت واحدة من عدد قليل من الدول التي صوتت ضد القرار. ولكن التقرير الأبرز والأكثر صراحة، هو تقرير نشرته جريدة الخبر المقرّبة من السلطات الجزائرية، والذي عنونته بـ”الشرّ القادم من الإمارات.. إلى الجزائر ثم السودان”.
هذا التقرير، نُشر في 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، وهو لم يكُن الأول الذي ينتقد فيه الإعلام الجزائري دولة الإمارات، حيث نشرت جريدة الخبر الجزائرية وحدها ستة تقارير في الأشهر الـ3 الأخيرة فقط.
في المقابل تتهم صحف وقنوات تموّلها الإمارات الجزائر بأنّها تعتمد سياسة عدائية، في منطقة شمال أفريقيا والساحل، وتتسبب في تقويض الأمن في دول الجوار. وقالت التقارير إنه، وممّا أكد وجود أزمة بين الإمارات والجزائر التصريحات السياسية الجزائرية البارزة لويزة حنون، زعيمة حزب العمال اليساري التي هاجمت عقب لقاء لها مع الرئيس عبد المجيد تبون الإمارات. لقد قالت لويزة حنون إن: "الإمارات أعلنت الحرب على الجزائر خدمة للكيان الصهيوني، وتُغرق بلادنا بالمخدرات عبر ليبيا، وتحرّض على الحرب بين الجزائر والمغرب، وتريد عزلة الجزائر عبر دفع موريتانيا وتونس للتطبيع”.
ومؤخرا، تناول موقع "عربي بوست"، نقلا عن مجموعة من المصادر الدبلوماسية والسياسية في الجزائر، أبرز الملفات التي تسببت في تعميق الأزمة بين الإمارات والجزائر، والتي وصلت إلى حد تخفيض التمثيل الدبلوماسي بينهما في المدة الأخيرة. وقال المصدر إنّ العلاقات الثنائية بين أبوظبي والجزائر مرشحّة للتصعيد إلى حد القطيعة، وذلك بسبب ما تراه الجزائر "تطاولًا وعملًا ضد مصلحتها في مختلف المجالات وعديد المناطق".
من هذه الملفات الشائكة يأتي ملفان بارزان:
1- أزمة البريكس
في مطلع أغسطس/آب 2023؛ كانت الجزائر تنتظر إعلان دخولها البريكس، وهو تكتل خرج إلى العلن في العام 2006، وعقد أول اجتماعاته في العام 2009، ويضمّ: الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، ويعدّ نفسه بديلًا عن الهيمنة الاقتصادية الغربية. لكن المفاجأة كانت في إعلان رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا موافقة مجموعة “بريكس” على انضمام ستة أعضاء جدد إليها، بينهم مصر والسعودية والإمارات، ليرتفع عدد أعضائها إلى 11. ولم تكُن الجزائر ضمن لائحة الأعضاء الجدد، الأمر الذي رأته، بحسب أحد المصادر، مؤامرة حيكت ضدها منعتها من دخول المجموعة الاقتصادية، بالرغم من الدعم الروسي الذي حظيت به.
كما قالت المصادر إن الجزائر متيقنة من أن الإمارات التي دخلت البريكس مؤخرًا، أدّت دورًا حاسمًا في إفشال مساعيها لدخول تكتل البريكس، وذلك بالتنسيق مع الهند. وأضاف المصدر عينه أنّ عدم دخول الجزائر إلى بريكس كاد أن يتسبب في توتر العلاقات بين الجزائر وروسيا، والتي كانت قد وعدتها بحصة لهاجد في التوسع الاقتصادي، ولم تفِ بوعدها.
2- ليبيا والساحل الإافريقي
ترى مصادر دبلوماسية رفيعة أنّه من بين الملفات التي عمّقت الأزمة بين الإمارات والجزائر هو اختلاف سياسة البلدين تجاه الملف اللّيبي، وأيضًا بؤر الصراع في الساحل الأفريقي. ففي هذا الملف؛ تدعم الإمارات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في الوقت الذي تُساند فيه الجزائر حكومة طرابلس، وسبق لها أن هدّدت بالتدخل العسكري قبيل محاصرة طرابلس من طرف خليفة حفتر.
مقابل ذلك كانت الإمارات قد عارضت تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم مبعوثًا أمميًا إلى ليبيا، كونهاا كانت عضوًا غير دائم في مجلس الأمن. كما قالت مصادر إنّ توتر العلاقات الجزائرية بجارتيها مالي والنيجر كانت بسبب تحريض إماراتي، فضلًا عن وقوفها وراء تحرشات خليفة حفتر في ليبيا ضد الجزائر.
وكانت صحيفة الخبر المقرّبة من دوائر السلطة قد كشفت، نقلًا عن مصادر، أن المسؤولين الإماراتيين يريدون، بأي ثمن وبأي طريقة، فرض وجود لبلادهم في منطقة الساحل، حتى لو كان ذلك على حساب أمن الجزائر.
وقف الاستثمارات:
قُدّرت الاستثمارات الاقتصادية الإماراتية في الجزائر، خلال حكم بوتفليقة، بمليارات الدولارات، حيث دخلت في شراكة كبيرة لتطوير الموانئ وشراكة في مجال التبغ، وشراكة في الصناعات العسكرية، فضلًا عن الحصول على مشروع "دنيا بارك"(مشروع سكني وترفيهي كبير غربي العاصمة) بعقد امتياز لمدة 99 سنة. وقد أوقفت الجزائر استثمارات ضخمة للإمارات، ترجمة لسوء العلاقات بين البلدين، بالرغم من ضخامة هذه الاستثمارات وأهميتها للطرفين، بالنظر إلى تركّزها في مجالات استراتيجية.
وكان أول ما أنهته الجزائر هو فضّ الشراكة مع موانئ دبي العالمية التي كانت تعمل على إدارة موانئ جزائرية وتطويرها، لكنها لم تقدّم أي إضافة تُذكر، ثم أوقفت الشراكة العسكرية التي امتدت لسنوات. وكان البلدان يصنعان عربة النمر المدرعة في المصانع العسكرية الجزائرية بالشراكة مع ألمانيا، وذلك بسبب قرار الجزائر التوجه للتصنيع منفردة، والشيء نفسه بالنسبة إلى الإماراتيين.
في السياق ذاته؛ ألغت الجزائر مشروعها مع أبوظبي، والذي كان بصدد الدراسة يخصّ صناعة للمروحيات العسكرية، ويبدو أن إلغاء المشروع له صلة مباشرة بالأزمة السياسية بين البلدين.
أما الضربة الموجعة التي تلقتها الاستثمارات الإماراتية في الجزائر، فكانت فضّ الشراكة في مصانع التبغ التي تُعد من أهم الشركات العمومية الرابحة في الجزائر، وكانت تدرّ فوائد كبيرة على المستثمر.
هذا نموذج من توتر العلاقات بين الإمارات ودولة عربية كبيرة ومهمة مثل الجزائر، وهو مرشح للانسحاب على علاقات الإمارات بدول عربية أخرى، بل والأخطر أنّ توجهات الخليج عامة وخاصة في الحرب الدائرة في غزة قد تعرّض العلاقات الخليجية مع باقي العرب للخطر.