(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
مع تطورات الحرب في غزة ودخول المقاومة في اليمن على خط الصراع بعملياتها ضد السفن المتجهة إلى "إسرائيل"؛ بدأت امريكا بالكشف عن وجهها الحقيقي والتورط المباشر في الحرب نيابة عن "إسرائيل". وهو ما تمثل بقصف أمريكي وبريطاني لأهداف يمنيّة، فتبعه ردّ يمني على السفن الأمريكية. وهذا الأمر قد يتوسّع إذا ما نجحت أمريكا في تشكيل تحالف بحري يشنّ غارات على اليمن، حيث ستكون مصالح دول التحالف أهدافًا يمنية، وهو ما قد يغلق الملاحة في البحر الأحمر والمضائق وقناة السويس.
بالفعل؛ لقد قارن مراقبو الأمن في البحر الأحمر النتائج التي تمخض عنها الأمن في الخليج مع المآلات التي قد يصل إليها البحر الأحمر.
فقد تدرجت الخلافات العميقة بين القوى المشاطئة للخليج، وانتهت إلى أن كل فريق صاغ منظومته بالطريقة التي تحافظ على قدر كبير من مصالحه الأمنية وتحقق أهدافه الاقتصادية، وبها تباينات جعلت الخليج منطقة صراعات ممتدة، ولم تتمكّن قواها الرئيسة من وضع قواعد ثابتة للتفاهم، حيث المعادلة بين إيران والدول المقابلة لها صفرية في بعض الأحيان، وزادت حدتها مع عدم تفريط الولايات المتحدة في تمتين سيطرتها على المنطقة.
تاليًا، خلص المراقبون إلى أن البحر الأحمر قد يكون أمام معادلة شبيهة؛ لأن معظم دوله يصعب عليها التوافق حول رؤية جامعة، كما هناك دول من خارج محيطه ولها مصالح متعددة لن تفرّط فيها. وخلاصة تقارير المراقبين ذهبت إلى أن ثمة احتمال أن يتحول البحر الأحمر إلى منطقة حرب في المستقبل، أو منطقة تتصارع فيها قوى إقليمية ودولية، يمكن أن تفرز حالًا قريبة من تلك التي سادت في الخليج.
والتأثيرات على دول الخليج متفاوتة، فهناك تأثيرات تخصّ الاستثمارات والطموحات، وخاصة السعودية والإماراتية، وتأثيرات تخص هذه الدول وتأثرها بالضرر اللاحق بـ"إسرائيل" وتجارتها معها، وتأثيرات عامة بالأضرار الناجمة عن تأثر الملاحة وسلاسل التوريد وانعكاساتها على أسعار السلع وخفض انتاج الطاقة، فضلًا عن التأثيرات الخطيرة على الأمن القومي الخليجي.
ووفقا للرصد الجيوسياسي، فإنّ هناك ثلاث دول على البحر الأحمر تجمع بينها اتفاقية سلام، وهي: مصر والأردن و"إسرائيل"، ولدى السعودية على الضفة الأخرى علاقات جيدة مع كل منهم، وإن كانت لم تعقد اتفاق سلام مع "إسرائيل" حتى الآن، إلا أنها من أكثر الدول اهتمامًا بأمن البحر الأحمر بسبب مشروعها الخاص برؤية 2030 وطموحاتها الاقتصادية.
كما أن البحر الأحمر وسيلة ذات أهمية قصوى لنقل النفط والغاز من الخليج إلى أوروبا والولايات المتحدة، فهناك ممرات حيوية تبدأ في مضيق هرمز الذي يفصل بين إيران وسلطنة عمان ويربط بين الخليج وبحر العرب وخليج عمان، ثم مضيق باب المندب ثم قناة السويس.
هذه الممرات الثلاثة مهمة جدًا للتجارة العالمية، بشكل عام، وتجارة النفط الخام بوجه خاص، حيث يمر أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون إلى ستة ملايين برميل نفط يومًيا عبد باب المندب وقناة السويس إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وعلى مستوى التجارة الخارجية أو البينية لدول المنطقة، فوفقًا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022 فإن إجمالي التجارة الخارجية للمنطقة في حدود 2.6 تريليون دولار تقريبًا، يسيطر النفط على أغلبها. تاليًا؛ يمكن أن تتأثر التجارة الخارجية للدول العربية المطبّعة علاقاتها مع إ"سرائيل " وهي : مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، المغرب، السودان؛ بالإضافة إلى تركيا التي لها نصيب كبير في العلاقات التجارية مع الكيان الإسرائيلي.
كما أنّ الطريق البديل يزيد من أسعار الشحن ونقل البضائع، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة التأمين عليها، وكذلك مدخلات الإنتاج وتعطّل سلاسل التوريد ما يؤثّر على خطوط الإنتاج. بالإضافة إلى انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العالمي والعودة إلى مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار، وهو ما سيؤثر على دول الخليج كغيرها من دول العالم.
بالعودة إلى تقارير العام 2015، نجد أن الدول الخليجية الثرية تهافتت على العقارات والأراضي على ساحل البحر الأحمر، وتمثل ذلك في انتشار الموانئ البحرية والمواقع العسكرية الجديدة مع استيلاء هذه الدول على مراكز استراتيجية في جيبوتي وإريتريا والصومال والسودان واليمن. كما سعت هذه الدول الخليجية بشراسة للحصول على هذه المواقع بمثابة جزء من جهودها الأوسع لإعادة تحديد النظام الإقليمي وترسيخ وجودها كجهات مشاركة على الساحة العالمية.
وبالطبع؛ فإن الأوضاع الجديدة الناجمة عن عسكرة البحر الأحمر ونذر الحرب به قد يغير من خريطة السيطرة ويفسد جميع الخطط والطموحات. هنا لا بد وأن يكون للدول الخليجية موقف واضح وحازم ورؤية جامعة تضع في حسبانها الأمن القومي العربي والخليجي والتخلي عن موقف المتفرج، لأنها تملك من أوراق الضغط ما تستطيع به تحجيم البلطجة الأمريكي،ة وتستطيع الضغط على العدو الإسرائيلي لوقف عدوانه، وعودة الهدوء والاستقرار للمنطقة وفي قلبها البحر الأحمر تاليًا.
هذا هو الدور الخليجي الغائب، والذي يقع الأمن القومي الخليجي أولى ضحاياه. وإن لم يبرز هذا الدور، فإنّ الأمور ستسير بمسارات خطيرة على المنطقة، وعلى رأسها دول الخليج، والتي لها أضرار مركبة ومتعددة يفاقم منها الصمت الخليجي وغياب الدور والموقف.