(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
وسط سيطرة أخبار الحرب في فلسطين المحتلة على واجهة الأحداث الدولية وتسليط الضوء الإعلامي عليها، ما خلق تراجعًا لأخبار الحرب الروسية الأوكرانية، استقبلت السعودية الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، ولكنها لم تحظَ بتغطية إعلامية كبيرة، ولم تأخذ حقها من التحليل السياسي.
لعل التغطيات الإعلامية المتواضعة ركزت على الجانب الدبلوماسي البروتوكولي الذي أبرزه الجانبان، السعودي والأوكراني، من نوعية حرص المملكة ودعمها لحل الأزمة الأوكرانيةـ وتشديد وليّ العهد السعودي على مواصلة الجهود للإسهام بتخفيف الآثار الإنسانية للأزمة الأوكرانية. وكذلك ما أعرب عنه زيلينسكي من شكره وتقديره لجهود السعودية بشأن أوكرانيا.
ولكن اللافت، أن زيلينسكي أعلن قبل يومين من زيارته أن أوكرانيا أعدت خطة "واضحة" لهجوم مضاد جديد على القوات الروسية، لكنه أوضح أنه لا يستطيع الكشف عن التفاصيل. واللافت أيضا أن زيلينسكي قال على منصة اكس: "سنناقش أيضا المجالات الواعدة في التعاون الاقتصادي ومشاركة السعودية في إعادة إعمار أوكرانيا".
في هذا الصدد؛ ينبغي التوقف عند نقطتين مهمتين:
الأولى: أن السعودية، وبالرغم من طموحها للعب دور وسيط عالمي في هذه الأزمة بين القوى الكبرى، وبالرغم من عدم ممانعة روسيا من ذلك وعدم تأثير هذا الدور على العلاقات الروسية - السعودية بناء على السياسة البرغماتية الروسية المعروفة، إلا أن المساعدات السعودية السخية لأوكرانيا وسط توعّد زيلينسكي بهجوم مضاد، قد يعرض العلاقات السعودية- الروسية لمشكلات قد تصل للأزمات، حيث يتخطى الدور السعودي الوساطة ليصل إلى الدعم والمساندة.
الثانية: أن السعودية ما تزال تخدم المصالح الأمريكية وتنوب عن أمريكا في مهامها الدولية، ولم تخرج كما تدّعي من عباءة القوى الكبرى، وخاصة وأن أمريكا تواجه مشكلة كبرى في استمرار دعمها لأوكرانيا، وتحديدًا بعد عملية "طوفان الأقصى" وبروز أولوية أمريكية جديدة تتمثل بدعمها السخي لـ "إسرائيل"، وبالتالي يبدو أن السعودية تساعد أمريكا في مهامها وتسدّ العجز على الجبهة الأوكرانية، وتترك لأمريكا الأريحية في دعم "إسرائيل"!
وفي نظرة إلى التقارير الخاصة بمشكلة أمريكا في دعم أوكرانيا، نكتشف بسهولة أن الدور السعودي هو بالفعل يأتي لسدّ العجز الأمريكي وينوب عنه. إذ رصدت وسائل الإعلام أن الشكوك ازدادت حول استمرار المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بعد انخفاض واضح في اهتمام الكونغرس بتمويل "كييف" مقارنة بأولويات أمنية أخرى، تراها أمريكا أكثر أهمية، وفي مقدمتها "إسرائيل" وأزمة الحدود الجنوبية مع المكسيك، ما قد يمهّد لقرب انتهاء المساعدة الأمريكية.
لقد جمد مجلس الشيوخ الأمريكي حزمة مساعدات لأوكرانيا، كانت قد طلبتها إدارة بايدن بقيمة 60 مليار دولار. هذا التجميد أصاب الرئيس فولوديمير زيلينسكي بخيبة أمل، إذ يمثّل عدم توصل المفاوضين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس إلى اتفاق هو انتكاسة للرئيس الأمريكي الذي جعل دعم أوكرانيا وتعزيز حلف الناتو ضمن أولوياته في السياسة الخارجية، منذ بدء الحرب هناك.
هذا؛ وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن حزمة مساعدات عسكرية، في 27 ديسمبر/ كانون الأوّل، ما أدى إلى استنفاد الأموال المتبقية التي خُصّصت بالفعل. وكان الجمهوريون، في الكونغرس الأمريكي، قد رفضوا مشروع قانون يتضمن مساعدات بقيمة 61.4 مليار دولار لأوكرانيا في مجلس الشيوخ، في وقت سابق من كانون الأول، لأنّه لم يتضمن إجراءات صارمة بشأن سياسة الحدود والهجرة الأمريكية.
على الجانب الآخر، اعترف وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، مرارًا وتكرارًا، بأهمية الدعم الأمريكي للمجهود الحربي لأوكرانيا. وقال في مقابلة مع شبكة سي إن إن: "ليس لدينا خطة بديلة إذا توقفت المساعدات الأمريكية، فنحن واثقون من الخطة A". وأضاف أن: "أوكرانيا ستقاتل دائما بالموارد الممنوحة لها".
كما دعت رئيسة حزب "باتكيفشينا" الأوكراني يوليا تيموشينكو الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى إيجاد خطة بديلة للخروج من الأزمة التي تمر بها أوكرانيا، بسبب انخفاض المساعدة العسكرية من الغرب.
في هذا السياق؛ يبدو أننا بصدد توجّه زيلينسكي للسعودية لتنفيذ خطته البديلة، وهو ما قد يوقع السعودية في محاذير مع روسيا، فضلًا عن إفشال ما حاولت السعودية إثباته من تملّصها من التبعية لأمريكا.. والأدهى أن مساعدة أوكرانيا، في وقت تمر به فلسطين المحتلة وأهلها ولا سيما في غزة بظروف قاسية وإبادة جماعية، هو أمر يضر بسمعة السعودية التي لم تقم كغيرها من الأنظمة الرسمية بواجباتها تجاه القضية العربية المركزية.