(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
ممّا تسرب من وثيقة نتنياهو المقدمة لمجلس الحرب الصهيوني تحت مسمى "وثيقة المبادئ" ، أنه يريد إلى جانب السيطرة على مفاصل غزة، تنفيذ خطة لما يسميّه "اجتثاث التطرف" في جميع المؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية في قطاع غزة.
تنص الوثيقة على أن هذه الخطة ستُنفذ "بمشاركة الدول العربية ومساعدتها، والتي لديها خبرة في تعزيز مكافحة التطرف في أراضيها". كما أشارت تقارير يعتدّ بها إلى أن نتنياهو يعني بالدرجة الأولى الإمارات والسعودية.
ومؤخرًا، كشف تحقيق أمريكي خفايا خطة ولي العهد محمد بن سلمان التي تستهدف تسريع التخلّص من الصورة الدينية للسعودية، وهي الخطة التي تحمل إجراءات متسارعة يقول المعارضون إتها تنفذ لصالح نشر الانحلال والإفساد في بلاد الحرمين الشريفين. وقال تحقيق لصحيفة "واشنطن تايمز" إن محمد بن سلمان يعمل منذ سيطرته على حكم المملكة، أي قبل ما يقرب من 8 سنوات، على دفع عملية التخلّص من الهوية الدينية للمملكة، وجهوده تشبه ما فعله الإمبراطور "ميجي" في اليابان، وما فعله مصطفى كمال أتاتورك في تركيا.
وأضافت الصحيفة أن محمد بن سلمان يستهدف التخلّص ممّا وصفته بــــ"العزلة الدينية" وتحديث الاقتصاد السعودي، عبر إفساد المجتمع وهدم هويته الدينية. كما ذكر التحقيق الصحفي أن الفكرة هي فتح أفاق للاقتصاد السعودي وإنهاء اعتماده على النفط والغاز؛ وتعديل التقليد الأصولي القائم، والذي يعود تاريخه إلى التحالف بين السلطات السعودية والوهابية في القرن الثامن عشر؛ وعولمة السعودية ووضعها في مصاف القوى العالمية.
إلا أن التحدي الذي يواجهه ولي العهد، وفقًا للصحيفة،هو تحقيق هذه الثلاثية من دون إضعاف القوة الساحقة للنظام الملكي. كما أن هناك عدة عوامل ما تزال تعوّق خطته؛ ومنها ما وصفه التحقيق بالتقاليد الراسخة التي أجبرته على التحرك ببطء لمنع الأصوليين من إثارة الاضطرابات بين أولئك الذين يتشبثون بالعادات القديمة.
وأشار التحقيق إلى أن الشرطة، حاليًا، غالبّا ما تغضّ الطرف عما يرتديه الشباب السعودي وعن سلوكهم في المهرجانات الموسيقية والتجمعات المماثلة. وفي حين أن المثلية الجنسية ما تزال غير قانونية، لم تعد السلطات الأخلاقية في المملكة تطبق القانون بقوة كما فعلت في الماضي.
وهناك شعور عام بأنّ الكحول، والذي ما يزال محظورًا إلى حدٍ كبير، سوف يصبح في نهاية المطاف متاحًا على نطاق واسع في مناطق معينة، كما حدث في دولة الإمارات العربية المتحدة.
الأمر هنا يتجاوز كثيرّا نبذ التطرف ومكافحة توجّه ديني متشدد مثل الوهابية؛ بل يدخل في سلخ كامل عن الهوية الدينية، والخطورة أنها ليست في مجرد بلد عربي وإسلامي، بل في بلد يضمّ أقدس المقدسات الدينية للمسلمين.
وممّا لا شكّ فيه أن اعتماد نتنياهو على خبرة الإمارات والسعودية في ما أسماه اجتثاث التطرف، والاستعانة بهما في تطبيق هذه الإجراءات في غزة، هو دليل مباشر على أن هذه الخطوات السعودية والإماراتية تتطابق مع المصالح الصهيونية، وهي تنزع الهوية الإسلامية مع ما فيها من ثوابت تحفظ وجود القضية الفلسطينية قضيةً مركزيةً في وجدان الشعوب.
باختصار؛ نحن أمام جريمة متعددة الأركان تتعلق بالشعب السعودي وهويته، وتتعلق بالشعوب الإسلامية بتشويه بلاد الحرمين الشريفين التي تضم المقدسات الكبرى، وكذلك تتعلق بتدمير الثوابت خدمةً للمشروع الاستعماري الذي يجد دومًا بالدّين وثوابته خطرًا عليه، ويجد في الفساد أرضًا خصبة للتنازل عن هذه الثوابت وتمييع القضايا المركزية.