(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
ممّا لا شك فيه أنّ المحظور الذي كان يخشاه الكثيرون، بشأن علاقات التطبيع والتنسيق الأمني والاستخباراتي مع أمريكا والكيان الإسرائيلي، قد وقع مع نشوب الاشتباك الفعلي بين إيران وإاسرائيل". وكانت بدايات الوقوع في الحرج قد حدثت مع اندلاع "طوفان الأقصى" وما أعقبه من تنكيل الكيان بالشعب الفلسطيني الأعزل وحرب الإبادة التي يشنّها عليه، فأحرجت الأنظمة المطبّعة، وفي قلبها الأنظمة الخليجية.
لقد كان ما يخشاه الكثيرون؛ أنّ مع تصاعد الصراع بين إيران والكيان، وبحكم الموقع الاستراتيجي لدول الخليج في المنتصف بين إيران وفلسطين المحتلة، هناك انحياز وموقف واضح لا بدّ وأن تتخذه دول الخليج، فهي لا تملك رفاهية الحياد، مع أن الحياد معيب بين طرفين يمثل الكيان الإسرائيلي أحدهما!
وهذا ما حدث بالفعل مع العدوان الإسرائيلي على سيادة لإيران باستهداف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وهو ما كان يستوجب ردًا حتميًا إيرانيًا. ومع دخول الرد الإيراني ساعة التنفيذ؛ وقع المحظور بانكشاف تعاون مظلة الدفاع الإقليمية التي أنشأتها امريكا مع الكيان الإسرائيلي، وهو ما يعني تعاونًا عربيًا مع العدو وأمريكا لحماية أمن "إسرائيل".
هذا التعاون العربي مع العدو شمل الأردن، بالإضافة إلى الدول الخليجية المتحالفة إستراتيجيًا مع أمريكا، وتاليًا مع "إسرائيل". فقد كشفت صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية أن دول الخليج، ومنها السعودية، أدت دورًا في التعاون مع "إسرائيل"، حيث تستضيف أنظمة دفاع جوي غربية، وطائرات مراقبة وطائرات للتزود بالوقود، على الرغم من إعلان أكثر من دولة خليجية أنها لن تسمح بضرب إيران انطلاقًا من أراضيها.
كما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن المواجهة بين "إسرائيل" وإيران كشفت صعوبة حفاظ الإمارات والسعودية على "توازن دقيق" بين إيران منافسهما الرئيسي في المنطقة من جانب، والولايات المتحدة الحليف الأمني الأهم لهم و"إسرائيل" من جانب آخر. ونقلت الصحيفة، عن مسؤولين عرب، أن البلدين "شاركا معلومات استخباراتية أسهمت في الرد الدفاعي" على الهجوم الإيراني ضد "إسرائيل".
وبالنسبة إلى السعودية، أشارت الصحيفة إلى أن موقفها "أكثر تعقيدًا"، وذلك في ظل الجهود الرامية إلى إبرام اتفاق تطبيع مع إسرائيل يضمن للمملكة الحصول على التزامات أمنية من الولايات المتحدة ودعمها في برنامجها النووي، بالرغم من تراجع زخم هذه الجهود مع الحرب في غزة. وقالت "وول ستريت جورنال" إن: "الدول الخليجية لا ترغب بأن ينظر إليها سكانها على أنها تدعم إسرائيل والولايات المتحدة، في ظل الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من 6 أشهر".
من جانبهم، أوضح مسؤولون عرب أنه بحال انخراط الولايات المتحدة بشكل أعمق في الأسابيع المقبلة في مواجهة مباشرة مع إيران، فـــــ : "من المرجح أن تجد الحكومات العربية مجال مناوراتها يتقلص"، وفقًا لما أودرته الصحيفة. كما كشفت وسائل إعلام أمريكية عن دور إماراتي محوري في حماية "إسرائيل" من هجمات إيران التي قامت بها مساء السبت الماضي.
كذلك أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن الإمارات وافقت، بشكل خاص، على تبادل المعلومات الاستخبارية بشأن الهجوم الإيراني مع الولايات المتحدة و"إسرائيل"، ودعمت الأردن بالإسهام في جهود الصد العسكرية في أجوائه للهجوم الإيراني. وبحسب الصحيفة؛ جرى تعقّب الصواريخ والطائرات من دون طيار الإيرانية منذ لحظة إطلاقها بواسطة رادارات الإنذار المبكر في دول الخليج العربي المرتبطة بمركز العمليات الأمريكية، والتي نقلت المعلومات إلى الطائرات المقاتلة من عدة دول في المجال الجوي فوق الأردن ودول أخرى أيضًا.
أضافت الصحيفة أن إيران أطلعت الدول الخليجية، ومنها السعودية، على الخطوط العريضة وتوقيت خطة طهران لتوجيه ضربات واسعة النطاق على "إسرائيل" حتى تتمكّن تلك الدول من حماية مجالها الجوي، وتنقل المعلومات إلى الولايات المتحدة، ما أعطى واشنطن و"إسرائيل" تحذيرًا مسبقًا حاسمًا. وأشارت – أي الصحسفة- إلى أنه مع تحليق مئات الطائرات من دون طيار والصواريخ الإيرانية عبر منطقة الشرق الأوسط، ليلة السبت، جرى تفعيل خط دفاعي من الرادارات والمقاتلات النفاثة والسفن الحربية وبطاريات الدفاع الجوي من "إسرائيل" والولايات المتحدة وستة دول أخرى ضد الهجوم الذي كان يُخشى منذ مدة طويلة من إيران.
هذا؛ ربما تتسامح ايران مع الإجراءات الدفاعية والاستخباراتية، ولكنها أعلنت أنها لن تتسامح مع المشاركة في العدوان على أراضيها، فكيف ستتعامل دول الخليج مع طلبات أمريكية وصهيونية بالتعاون في استهداف وعدوان على إيران إذا ما تخذت "إسرائيل" وامريكا هذا القرار؟
ممّا لا شك فيه أن استبدال العداء مع الصهاينة بعداء مع الجار الإيراني كان هو أساس هذه المعضلة الأمنية الخطيرة، وقد أدت أمريكا دورًا شيطانيًا بخلق منظومة دفاعية إقليمية تُشرك بها الدول الخليجية العربية المسالمة مع العدو الإسرائيلي.
وممّا لا شك فيه أن دول الخليج تعاني مخاوفَ من أن يُنظر إليها على أنها تهبّ لمساعدة "إسرائيل" في وقت تشنّ فيه حرب إبادة للشعب الفلسطيني، وتقف معه دول الخليج في صف مناهض لمن يقاومون العدو ويساندون غزة والمقاومة الفلسطينية..!
هذه المخاوف تحققت بعد انتشار تقارير التعاون الفعلي، وبعد تناقل تصريحات لمسؤولين عن أن التعاون مع "إسرائيل" في الدفاع ضد الهجوم الإيراني كانت تتويجًا لسنوات من الجهود الأمريكية لكسر الحواجز السياسية والفنية التي أحبطت التعاون العسكري بين "إسرائيل" والحكومات العربية.
لقد ركزت الولايات المتحدة على التعاون الأقل رسميًا، في مجال الدفاع الجوي، على مستوى المنطقة بدلًا من إقامة نسخة شرق أوسطية من حلف الناتو، لمواجهة مخاطر ترسانة طهران المتنامية من الطائرات من دون طيار والصواريخ، وهي الأسلحة نفسها التي هددت "إسرائيل" يوم السبت الماضي. وهو وضع معيب لخصّه مسؤول إسرائيلي كبير بالقول: "اتفاقيات أبراهام جعلت الشرق الأوسط يبدو مختلفًا… لأننا نستطيع فعل أشياء ليس فقط تحت السطح، بل فوقه".
كما قال معهد كارنيجي، في مقال "ياسمين فاروق"، إن الدول العربية عرضت المساعدة في الدفاع ضد الهجمات الإيرانية؛ لأنها رأت فوائد التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، طالما ظل بعيدًا عن الأنظار". وأضافت: "تعرف دول الخليج أنها ما تزال لا تحصل على المستوى نفسه من الدعم الذي تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة، وترى أن ما فعلته يوم السبت الماضي هو وسيلة للحصول عليه في المستقبل".
من جهة اخرى؛ أفادت التقارير العسكرية عن تعقّب الصواريخ والطائرات من دون طيار الإيرانية منذ لحظة إطلاقها بواسطة رادارات الإنذار المبكر في دول الخليج العربي المرتبطة بمركز العمليات الأمريكية في قطر، والتي نقلت المعلومات إلى الطائرات المقاتلة من عدة دول في المجال الجوي فوق الأردن ودول أخرى أيضًا وكذلك إلى السفن الحربية في البحر وبطاريات الدفاع الصاروخي في "إسرائيل".
نحن حقًا لسنا أمام معضلة أخلاقية فقط، ولكن أمام معضلة أمنيّة؛ لأنه وفي حال ردّت "اسرائيل"، إيران ستردّ ردًا أقوى قد يجلب حربًا موسّعة لا تملك دول الخليج بها الحياد.. وهو ما يعني دخولها رسميًا لحرب طاحنة كانت في غنى عنها لو استخدمت أوراق ضغطها وانحازت للثوابت في الصراع ضد العدو ولفلسطين.