(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
بعد تصريحات بدت مفاجئة لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تفيد بأنّ الدوحة في صدد "تقييم" دور الوساطة الذي تؤديه منذ أشهر بين "إسرائيل" وحركة حماس، صدرت عشرات التقارير المتضاربة حول تداعيات هذه الخطوة، وانتشرت معها العديد من التحليلات والتخمينات.
بدايةً؛ من أنها تهديد فارغ لن يُنفذ، وهو للتعبير عن الغضب من الانتقادات الأمريكية والإسرائيلية لقطر، ووصولًا إلى أن هناك قطيعة محتملة بين قطر وحركة حماس، وأن قيادات الحركة تتواصل مع سلطنة عمان ودول أخرى لنقل المكتب السياسي إليها ومغادرة قطر.
أتت، عقب ذلك الإعلان القطري، تصريحات وتوضيحات قطرية، وأيضًا تصريحات لمصادر منسوبة لحركة حماس، بالإضافة الى تصريحات أمريكية لتخفيف الاحتقان؛ وربما تصبّ كل هذه التصريحات في خانة عدم دقة معظم التكهنات، ولكنّها أسهمت في وضوح الصورة وحجم القضية وجوانبها المختلفة.
بدايةً، جاءت التصريحات القطرية بعد تصريحات لعضو الكونغرس الأميركي الديمقراطي ستيني هوير، قال فيها، إنه: "إذا فشلت قطر في ممارسة الضغط على حماس؛ فالولايات المتحدة لا بد أن تعيد تقييم علاقتها مع قطر". كما جاءت بعد ذلك سلسلة تصريحات هجومية من نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين باتجاه قطر لأنّها لا تمارس ضغوطًا كافية على حركة حماس؛ وفقُا لم يرونه. كما جاءت في سياق تجمّد المفاوضات ورفض الأطراف التنازل عن خطوط حمراء بعينها، وهذا ما عقّد جهود الوساطة هذه المرة، مختلفة عن المرات السابقة.
في هذا السياق؛ لا بدّ من رصد بعض الملاحظات:
1- هذه الجولة من الصراع هي جولة مفصلية؛ تختلف عن الجولات السابقة، وتتميز بأنها معركة صفرية، حيث تصر "إسرائيل" على تفكيك المقاومة في غزة وإنهاء وجود حركة حماس بصفتها طرفًا سياسيًا وحركة مقاومة مسلحة، بينما تصرّ حركة حماس وجميع الحركات المقاومة في المنطقة على البقاء، وإفشال خطط العدو، وتحقيق انتصار استراتيجي بوقف إطلاق النار وسحب جنوده من غزة، وبعدها يمكن التفاوض حول الأسرى.
هذه العقدة الاستراتيجية يصعب التفاوض حولها وإنهاءها في المفاوضات السياسية، ولكنها تتطلّب الميدان وصراع القوة والإرادة.
2- حجم الأزمة بين قطر وأمريكا محدود للغايةـ ويتعلق فقط بملف الوساطة السياسية، وليس له تأثير على العلاقات الاستراتيجية بين قطر وأمريكا. وهذا ما أكده وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي أجرى اتصالاً مع نظيره القطري رئيس الوزراء، أكدا فيه : "متانة العلاقات الأميركية- القطرية وأهمية مواصلة العمل الوثيق، في الأيام القادمة، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة يضمن الإفراج عن الرهائن كافّة"، بحسب بيان للخارجية الأميركية.
3- الغضب القطري من تصريحات النائب الديمقراطي الامريكي كان بسبب أنه ليس نائبًا عاديًا، وإنّما هو عضو في الكونغرس، وتصريحاته حملت اتهامات مباشرة لقطر.
4 حاولت قطر نفي الاتهامات والتأكيد على موالاتها لأمريكا والغرب، ونفي ما وجدته شبهة، بأنها تنحاز للمقاومة، فقد ذكر بيان السفارة القطرية أن قطر من أبرز الحلفاء غير الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ويتمركز فيها حاليًا 10 آلاف جندي أميركي وأضخم حضور عسكري أميركي في الشرق الأوسط.
5- هناك فجوة ما وغضب قطري من حماس؛ لمّحت إليه بعض التصريحات القطرية، حين ورد في البيان القطري للسفارة : "من المؤكد أنه من المغري أن نفعل ما يقترحه النائب الامريكي، وأن نبتعد عن الأطراف التي تبدو متعنتة.. لكن ينبغي التذكّر أن دور قطر في الوساطة قائم فقط ؛لأن الولايات المتحدة طلبت منا في العام 2012 ا؛لاضطلاع بهذا الدور بما أن إسرائيل وحماس- مع الأسف- ترفض كل منهما التحدث مع الأخرى مباشرة".
ردًا على التقارير الأمريكية، في وسائل الإعلام التي قالت إن هناك خلافات بين قطر وحماس، نفى مسؤولان في حركة حماس التقارير التي أفادت بأن قيادة الحركة تفكر في مغادرة قطر إلى دولة مضيفة أخرى؛ ومنها تركيا. وأضاف المسؤولان أن الحركة تريد تعزيز العلاقات مع تركيا، بما في ذلك تلقي المساعدات منها مباشرة، وذلك وفقًا لما ذكرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
لكن هذا النفي، من جانب بعض المسؤولين لا يكفي لدرء هذه الشبهات. فقد التقى إسماعيل هنية بسلطان عمان والرئيس التركي تزامنا مع هذه الأزمة، وهو ما يوحي بوجود احتمالات ليست هينة باتجاه صحة ما ورد في التقارير. فقد قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إنّ حركة حماس تواصلت مع دولتين على الأقل، في المنطقة، بشأن انتقال قادتها. ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية قولها إن تحرك حماس جاء نتيجة ممارسة وسطاء من مصر وقطر ضغوطًا على الحركة لتخفيف شروط التفاوض مع "إسرائيل".
كما لفتت الصحيفة إلى أن المحادثات متوقفة مرة أخرى، مع عدم وجود أي إشارات أو احتمالات لاستئنافها في أي وقت قريب، كما أن انعدام الثقة يتزايد بين حماس والمفاوضين.
أمّا حول احتمالات تولي سلطنة عمان دورًا في الوساطة وباستضافة قيادات حماس؛ فقد تواترت التقارير وسط صمت رسمي عماني، وتفاعلت أوساط شعبية في سلطنة عمان مع أنباء عن أن القيادة السياسية لحركة حماس تبحث احتمال نقل مقرها إلى خارج قطر، وربما تكون سلطنة عمان هي إحدى الوجهات المرشحة لاستقبال قيادة الحركة الفلسطينية، في ما شكّك محللون في سيناريوهات الاستضافة العمانية.
نحن اذًا؛ بصدد تغييرات في الدور الخليجي وربما موازين القوى الخليجية. فقد حصلت قطر على دور عالمي كبير انعكس على ميزانها النسبي خليجيًا، عبر النجاح في ملفات الوساطة بعدة ملفات؛ أبرزها الوساطة بين طالبان وأمريكا وبين طالبان والحكومة الأفغانية. وكذلك عدة صفقات دولية؛ مثل صفقة الممرضات البلغاريات في ليبيا، وغيرها من الاتفاقات وخاصة المتعلقة بالشأن الفلسطيني، وهذا الفشل ربما ينعكس على سمعتها الدولية، وهو سر الغضب القطري الرسمي.
كما أنه لو صحّت التقارير، وانتقلت الوساطة إلى سلطنة عمان، والتي تمتعت بأدوار وساطة ناجحة في السابق وخاصة في الملف اليمني، فإنّ مركز الثقل العربي قد ينتقل إلى السلطنة.
أمّا بخصوص علاقة قطر وأمريكا؛ فهي غير قابلة للتأثر حاليًا؛ بلحاظ الأبعاد العسكرية والتموضع الجيواستراتيجي الأمريكي في قطر.
أمّا بخصوص العلاقة بين حماس وقطر، فربما لن تتأثر جذريًا؛ حتى لو انتقل المكتب السياسي إلى خارج قطر؛ لأن قطر ستسوّغ ذلك بأنه دفع للضغوط، ولقطر أدوار أخرى في التمويل والإعمار شريطة انتصار حماس والمقاومة في هذه الجولة.