(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
مع تطورات الحرب في غزة وانكشاف حقيقة النوايا الإسرائيلية المبيّتة لتصفية القضية بعد عرقلة "إسرائيل" لمحاولات وقف إطلاق النار جميعها، وبالرغم من المرونة التي أبدتها المقاومة الفلسطينية، فالأنظار تتجه دومًا إلى الأنظمة العربية وكذلك الشعوب العربية، والتي أغرى صمتها الكيان الإسرائيلي وشجّعه على التمادي في عدوانه برعاية ودعم أمريكي فاضح.
من أكثر الأنظمة التي تتجه الأنظار إليها هي الأنظمة الخليجية التي تمتلك أوراق ضغط مؤثرة على أمريكا والغرب. وعندما يجادل الكثيرون من المدافعين عن هذه الأنظمة على أساس أن ورقة النفط تراجع تأثيرها، فإنّ الحديث هنا لا يدور حول النفط فقط، ولكن عن التطبيع الحديث الذي خالف المبادرة العربية التي التزم بها النظام الرسمي العربي بالحيلولة دون التطبيع قبل استرداد بعض حقوق الشعب الفلسطيني. وهو ما خالفته الإمارات والبحرين علنًا، وما تخالفه السعودية بتواتر أخبار تسريع التفاهمات حول تطبيع سعودي- إسرائيلي مرتقب يتجاهل حرب الإبادة التي تشنّها "إسرائيل" على قطاع غزة.
لم تعد التصريحات والرفض والشجب والتنديد كافية لإقناع الجماهير العربية والخليجية، وخاصة بعد الأحداث الأخيرة وما رشح عن تعاون خليجي فعلي مع "إسرائيل" في صدّ بعض الصواريخ الإيرانية التي انطلقت إلى العمق الصهيوني، وكذلك التحايل على الحصار الذي فرضته اليمن على السفن الإسرائيلية بتسهيل وصول إمدادات وسلع للكيان الإسرائيلي عبر خطوط برية تمر بدول الخليج.
وفي أحدث المستجدات، وبعد بدء معركة رفح واحتلال "إسرائيل" لمعبر رفح، قال جاسم محمد البديوي، وهو الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إنه على المجتمع الدولي التحرك الفوري والعمل الجماعي للضغط على قوات الاحتلال الإسرائيلي لوقف انتهاكاتها العدوانية الخطيرة على الأراضي الفلسطينية وتهديدها لحياة المدنيين الأبرياء. وأكد الموقف الثابت لمجلس التعاون في دعمه للقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى البيان الصادر عن الاجتماع الاستثنائي الـ 44 للمجلس الوزاري بمجلس التعاون، والذي أكّد فيه على الالتزام بالدعوة التي أطلقها لعقد مؤتمر دولي تشارك فيه جميع الأطراف المعنية لمناقشة المواضيع كافة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتوصل إلى حل يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.
هذا النوع من التصريحات باتت الجماهير تراه فارغًا وابراءً للذمم، والأخطر أن هناك قناعة جماهيرية باتت تتشكّل بأنّ هناك تواطؤ بين الخليج وأمريكا وتقاطع مع الكيان الإسرائيلي في قضية الخلاص من المقاومة التي تعطّل مشاريع التطبيع.
في هذا الصدد؛ يمكن استعراض سريع لنظرة الغرب للتطبيع الخليجي -الإسرائيلي، من واقع تقرير مهم لمركز بروكنجز صدر في العام 2021 بعد تدشين "الاتفاقيات الإبراهيمية"، وأهم النقاط التي تشكّل نظرة الغرب يمكن تخليصها كما يلي:
1- التغيّرات الإقليمية منحَت بعض دول مجلس التعاون الخليجي ضرورة استراتيجية جديدة تقضي بالتقرّب من خصمها السابق، أو ابتعاد المحور السعودي- الإماراتي عن سياسة العالم العربي القائمة منذ زمن والقاضية بوضع فلسطين في الأولوية بحثًا عن تحالف مع "إسرائيل"، مدفوعًا بعدد من التهديدات الإقليمية والحاجة إلى إبقاء الولايات المتّحدة منخرطة في أمنه.
2- ردّ فعل الجماهير العربية كان مكتومًا نسبيًا، ومن الصعب تقويم الرأي العام في الشرق الأوسط، ولا سيّما في منطقة الخليج، نظرًا إلى القمع العام لحرّية التعبير عن الرأي والحكم غير الديمقراطي وغياب استطلاعات الرأي والإعلام المستقلّ.
3- نظرًا إلى التفاني الأمريكي في حفظ أمن إسرائيل، قد تفترض الدول الخليجية منطقيًا أنّ إنشاء روابط مع "إسرائيل" سيساعدها على تحصين صلاتها الأمنية الخاصة بالولايات المتحدة. وسواء أكان عن وجه حق أم لا، ترى الدول الخليجية أنّ السياسة الخارجية الأمريكية حسّاسة بشكل مفرط إزاء المصالح والمخاوف الإسرائيلية. وما تعلّمته الدول الخليجية أيضًا عن خبرة هو أنّ بروزها عدو ظاهري لإسرائيل لم يساعد علاقتها بالولايات المتّحدة، ولم يجعلها محبوبة في بعض الأوساط في المؤسّسة السياسية والدبلوماسية الأمريكية، وعرقل استحواذها على معدّات وتكنولوجيا عسكرية متطوّرة مخصّصة لإسرائيل وجهات حليفة مقرّبة أخرى خارج المنطقة.
4- تعاونت الرياض وتل أبيب سرًّا لسنوات، في المسائل الأمنية وتبادل المعلومات الاستخبارية. لكنّ للمملكة الخليجية حساباتها الخاصة في ما يخص استعدادها لجعل العلاقات رسمية. ويشمل ذلك مكانتها الفريدة في العالم الإسلامي بصفتها خادمة الحرمَين الشريفَين والشرعية التي ينبغي على السعودية حمايتها في هذا الدور. والمملكة أكبر بكثير وأكثر تنوّعًا من الدول النظيرة لها، مع وجود شرائح لا تنظر إلى إسرائيل بعينٍ العطف. ومع ذلك، الإشارات الصادرة عن المؤسّسة السياسية، ولا سيّما الجيل الشاب الذي يقوده ولي العهد محمّد بن سلمان، يتّجه بوضوح نحو مقاربة مختلفة مع إ"سرائيل" لا تستثني تطبيع العلاقات قبل التوصّل إلى اتفاقية سلام فلسطينية إسرائيلية.
لعل هذا التقرير الذي يلخّص نظرة الغرب وتقويماته يفسر العديد من الشواهد الراهنة، والتي تؤكد ما جاء بالتقرير، وهو أمر مرفوض ونراه خطيرًا على الأمن القومي الخليجي على عكس ما تتصوره الأنظمة من أنه تأمين لها.