(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تصدّرت أخبار الوضع الصحي للملك سلمان عناوين الكثير من وسائل الإعلام، وتحوّلت إلى موضوع شائع "تريند" في وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة بعد الإعلان عن تأجيل سفر وليّ العهد محمد بن سلمان لليابان، ثم تمديد غيابه عن رحلة للصين، وأيضًا بسبب صدور بيان من الدّيوان الملكي عن الوضع الصحي للملك، وهو من الأمور النادرة.
مع أنّ وليّ العهد هو الحاكم الفعلي، وظهور الملك أصبح نادرًا، وبات مستقرًا في الوعي السعودي والعالمي، انّ استلام وليّ العهد للحكم مسألة وقت ولا مفاجآت منتظرة في هذا السياق، إلا أن بعض الوكالات، مثل وكالة بلومبيرغ أبرزت تصاعد المخاوف إزاء الوضع في السعودية ومستقبلها في ظل تفاقم مرض الملك سلمان بن عبد العزيز (88 عامًا) وترقّب نجله وليّ العهد "محمد" الانفراد بالسلطة رسميًا. وذكرت تقارير إعلامية أنّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان تخلّف عن الوفد السعودي الاقتصادي رفيع المستوى الذي زار اليابان، وسيتوجه من هناك إلى الصين على خلفيّة خضوع الملك سلمان لعلاج من التهاب الرئة.
كما أكدت التقارير أنّه من النادر نشر المملكة لبيانات متعلقة بصحة الملك الذي يقود الدولة النفطية الثرية منذ العام 2015، ويبقى نجله ولي العهد الأمير محمد البالغ 38 عامًا، الحاكم الفعلي للبلاد ويدير شؤونها العامة واليومية. في هذا الصدد؛ أبرزت وكالة رويترز الموضوع نقلاً عمن وصفته بأربعة مصادر مطلعة، إذ قالت إن السعودية سترسل وفدًا يضمّ وزير الاستثمار في المملكة إلى الصين؛ حيث تبحث أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم عن تمويل أجنبي لتحوّلها الاقتصادي الطموح. وقال مصدران آخران، على إطلاع بالزيارة، إنّه كان من المتوقع ترأس وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو رئيس وزراء المملكة والحاكم الفعلي، الوفد إلى الصين بعد زيارة اليابان.
إلى هنا تنتهي قصة وسائل الإعلام مع خبر تأجيل الزيارة ووصف وضع الملك الصحي في أنّه التهاب رئوي قيد العلاج بالمضادات الحيوية. ولكن هناك شواهد أخرى تقول إن غياب وليّ العهد عن الزيارة هو غياب سياسي، وليس بسبب وضع الملك الصحي، وأن زيارة الصين ربما هي المقصودة وليس زيارة اليابان التي سُلّط الضوء عليها. فقد استقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان في الظهران، قبيل الإعلان عن تأجيل الزيارة وإعلان أسباب التأجيل بأنّها تخصّ وضع الملك الصحي، وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، كما بوحثت الصيغة شبه النهائية لمشروعات الاتفاقيات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس"، والتي أشارت إلى أن العمل على الصيغة شبه النهائية قارب على الانتهاء. كما ذكر موقع "أكسيوس" الأمريكي أهم ما دار في الإجتماع، وقال "بوحثت الصيغة شبه النهائية لمشروعات الاتفاقيات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة، والتي قارب العمل على الانتهاء منها".
فهل هناك ارتباط بين الوصول لصيغة شبه نهائية للاتفاقيات الامريكية السعودية بغياب وليّ العهد عن زيارة الصين؟
لطالما تناولت التقارير والتحليلات أن السعودية تتقارب مع الصين في مناورة لحثّ أمريكا على الإسراع بطمأنة المملكة بعد التراجع بالعلاقات وخاصة مع إدارة بايدن؛ ولطالما نُظر إلى أن أمريكا القلقة من الدخول الصيني إلى المنطقة تحاول تجميع ولملمة حلفائها بعيدًا عن الصين. وبحسب "ناشونال إنترست"، في تقرير لها في العام الماضي عقب زيارة للخليج قام بها الرئيس الصيني، حذّر التقرير من تحوّل الخليج إلى ساحة منافسة وصراع بين القوى الكبرى.
وقسم التقرير الخليج مجموعتين رئيسيتين:
الأولى: هي "الدول المتحوطة"، والتي تضم السعودية والإمارات، وكلتاهما تحاولان التحوّط، وبشكل مفتوح، ضد انسحاب أمريكا من الخليج.
المجموعة الثانية: هي "دول التوازن"، وهما قطر وعمان، وكلتاهما بنى علاقات قوية مع الصين من خلال فتح البنى التحتية الوطنية أمام الاستثمار الصيني، لكنّهما اتسمتا بالحذر إزاء التنافس بين القوى العظمى، فهما تحتفظان بعلاقات عسكرية مع واشنطن.
واختتم التقرير بتحذير استراتيجي يقول نصًا: "على دول الخليج تطوير إطار يؤدي إلى منع تحوّل الخليج لساحة تنافس بين الصين والولايات المتحدة"..
فهل يأتي غياب وليّ العهد عن زيارة الصين في سياق ترضية أمريكا بعد نيل اتفاقات وضمانات سعت السعودية لنيلها، ولم تعد هناك حاجة إلى التلويح بالورقة الصينية؟ أم أنّ وضع الملك سلمان الصحي حرج بالفعل، ويخشى ولي العهد الخروج من المملكة في هذه الظروف كي لا تتمّ ترتيبات تعصف بعرشه في أثناء غيابه لو توفي الملك في أي وقت؟
أسئلة ستكشفها الأحداث والسياسات والتطورات في الأيام القادمة.