(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
شكّلت الخطوة التي قام بها حاكم الكويت، الأمير مشعل الأحمد الصباح، بحلّ "مجلس الأمّة" وتعليق العمل ببعض مواد الدّستور في 10 أيار/مايو، جدلًا وقلقًا حول مستقبل الدّيمقراطية في الكويت.
وقد اعتلى الأمير العرش بعد وفاة أخيه غير الشقيق الأمير نواف في كانون الأول/ديسمبر، وأصبح حكمه الآن بموجب مرسوم بمساعدة رئيس وزرائه الجديد أحمد عبد الله الصباح، الذي تم تعيينه في الأول من أيار/مايو، بالإضافة إلى مجلس الوزراء، وفريق القيادة الذي تم استكماله من خلال تعيين الشيخ صباح خالد الصباح ولياً للعهد في الأوّل من حزيران/ يونيو.
وتُعدّ الحالة الديمقراطية في الكويت، حالةً فريدة في الخليج، ولهذا السبب، حافظت الكويت مع لبنان على تصنيفهما "حرّة جزئيًا"، وفقًا لتصنيف منظّمة فريدوم هاوس الأمريكية، ولذلك شعَرَ المراقبون بالقلق على هذه التجربة الاستثنائية على وقع التطورات السّياسية الأخيرة خاصة ما يتعلّق بمجلس الأمّة أو البرلمان الذي يُنظر إليه بوصفه ركيزة الديمقراطية في البلاد.
والمثير للقلق هو ملابسات حلّ البرلمان، حيث جاء صدور الأمر الأميري بعد أسابيع من الجمود السّياسي؛ حيث دعا الشيخ مشعل إلى إجراء انتخابات مبكرة في مارس/آذار الماضي، تمخّض عنها انتخاب برلمان جديد حمل تغييرًا محدودًا، تمثّل في انتخاب 11 نائبًا جديدًا من أصل 50 نائبًا. ولم تنجح محاولات إقناع أعضاء البرلمان بالتعاون مع رئيس الوزراء المكلّف والمُعيّن من قبل الأمير.
وما جاء في خطاب الشيخ مشعل من عبارات، وخاصة عبارة "لن أسمح باستغلال الديمقراطية لتدمير البلاد"، وعقب يومين من إعلان حل البرلمان، أصدر الشيخ مشعل مرسومًا أميريًّا بتشكيل حكومة جديدة مؤلّفة من 13 وزيرًا برئاسة الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح، فيما تُعدّ الحكومة الجديدة التاسعة خلال أربع سنوات، والثانية منذ تولّي الشيخ مشعل زمام الأمور في منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي.
ولا يُعد القلق على الديمقراطية الاستثنائية في الخليج مصدر القلق الوحيد، بل هناك قلق أيضًا على نظام الحكم والوضع السّياسي في البلاد، حيث يرى الكثيرون مثل "شون يوم"، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة تمبل الأمريكية، في تحليل نُشر في مارس/آذار الماضي، أنّ "الهوية الوطنية والثقافة في الكويت تتمحور في عرف مقدّس يتمثل في أن عائلة الصباح الملكية لا يمكنها أن تحكم من دون توافق شعبي".
وقد شهدت السنوات العشر الماضية تصاعدًا في التوترات بين أعضاء البرلمان والحكومات المتعاقبة، ما أدّى إلى تفاقم الجمود السياسي، وعدم إقرار الكثير من القوانين، فيما جرى استغلال الأمر في إطار التنافس داخل العائلة الملكية.
والأهم أنّ الكويت لم تُسلّم السلطة حتى الآن إلى جيلٍ أصغر سنًّا كما حدث في الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، حيث يبلغ أمير الكويت من العمر ستةً وثمانين عامًا، وكان سلفُه أكبرَ منه بعامٍ واحد. ويبلغ سنّ ولي العهد الجديد واحدًا وسبعين، ويبلغ رئيس الوزراء الجديد اثنين وسبعين عامًا.
وبالتالي، فإن أيّ تجربة استبدادية تعتمد على رجال بهذا العمر المتقدّم قد تخلّف وراءها فراغًا سياسيًّا وفوضى، وربما صراعات مأساوية على الحكم.
يضاف إلى عوامل القلق، الحالة الاقتصادية والمؤشّرات التي لا تتناسب مع ثروة الكويت، فالكويت، وعلى الرغم من أنها خامس أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة "أوبك"، وعدد سكانها قليل يبلغ نحو ثلاثة ملايين نسمة، منهم 70% من العمال المغتربين، إلّا أنّ البلاد لا تستطيع إنتاج ما يكفي من الكهرباء لتلبية احتياجاتها، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي خلال أشهر الصيف الحارة، ويتم استيراد الكهرباء في الصيف من خلال خط نقل عبر السعودية ويمتد من بلدان بعيدة مثل قطر وعُمان.
وقد حلّل العديد من الخبراء هذه الأزمة، ووصفوا المشكلة المزمنة التي تعاني منها الكويت بأنها فوضى إدارية تفاقمت بسبب التوترات بين الحكومة و"مجلس الأمة".
أي أن العلاقة المأزومة بين الحكومات والبرلمان تصيب البلاد بالشلل والجمود، فهل يعد الاستبداد حلاً لأزمة الكويت كما طرحه الأمير مشعل، أم أن الفساد الذي كان البرلمان يسعى لتحجيمه سيتفاقم وتزداد الأزمة سوءًا؟. في مقابلة صحفية مع موقع DW الألماني، قال شون يوم، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة تمبل الأمريكية : "إن خبرة أمير البلاد وأسلوب حكمه يحملان أهمية كبيرة في سبيل تفسير هذه اللحظة غير الليبرالية التي تشهدها الكويت"، مضيفًا أنه في حين أن أمراء البلاد السابقين كانوا قد اعتادوا على التعاطي مع مطالب أعضاء مجلس النواب، فإن الشيخ مشعل "لا يمتلك أي خبرة سياسية مدنية تقريبًا".
أي أن هناك العديد من التفسيرات لهذه الخطوة ترجع إلى شخصية أمير الكويت الذي كان أهم رجال الأمن في البلاد، حيث ترأس جهاز أمن الدولة بين عامي 1967 و 1980، فضلًا عن توليه منصب نائب رئيس الحرس الوطني، وبالتالي هو معتاد في مساره على الحلول الأمنية التي لا تتجاوب ولا تسعى لحلول وسط مع المعارضين السياسيين، إذ أن هذه المناصب ترتكن على التسلسل الهرمي الصارم.
يبقى السؤال وسط هذه الأجواء السياسية والاقتصادية عن مستقبل الكويت السياسي، وخاصة وسط إقليم مضطرب بفعل مستجدّات الأحداث والصراع في المنطقة.