(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
لا يشكّ أحدٌ أنّ الأغلبية الكبيرة من الخليجيين تتعاطف مع فلسطين ومأساتها، وأنهم يستخدمون لقب "الشّهداء" لوصف ضحايا العدوان الصّهيوني وحرب الإبادة التي تُشنّ على غزّة، ولكن الإعلام الخليجي لا يعكس هذه الصورة في قنواته وفضائياته، وعلى رأسها قناتا العربية السعودية وسكاي نيوز الإماراتية. بل على العكس من ذلك، فإنّ المتابع لمصطلحات تلك القنوات يلمَحُ خلوَّها من وصف "الشهداء" واستخدام مصطلح "القتلى"، كما تستخدم لفظ "رهائن إسرائيليين" وليس أسرى، وهو توظيفٌ سياسيٌّ للمصطلحات لا يعكس انتماءً للقضية، بل يتطابق مع مصطلحات العدو. والمتابع لمضمون تلك القنوات يلمح أيضًا تحميلاً للمقاومة مسؤوليةَ اندلاع الحرب واستمرارها، وهجومًا على الجبهات المساندة لها في كلّ من اليمن ولبنان والعراق وإيران.
لا شكّ أنّ هذا النوع من الإعلام المعلوم تبعيّته للحكومات بشكل مباشر، يمثّل موقف الحكّام في تلك الدّول، وهو ما يُلقي بظلالٍ ثقيلة على مصداقية الحكّام وتصريحاتهم التي تدّعي التّعاطف مع الفلسطينيين وتُدين الممارسات الصّهيونية، كما تتخطّى هذه الممارسة الإعلامية نطاق نسف مصداقية حكومات دولها، لتصل إلى الإضرار بعلاقات هذه الدول مع الدول الشقيقة التي تساند المقاومة عسكريًا مثل لبنان وإيران والعراق واليمن، حيث تبثّ حوارات ومقابلات وتوصل رسائل معادية لحركات المقاومة ودولها، وهو ما يفسَّرُ في هذا التوقيت وفي خضم المعركة بأنه خدمة للعدو من جهة، ومعاداةٌ لهذه الدول والحركات رغم التقارب الرّسمي والدبلوماسي الذي حصل مؤخّرًا، وهو ما يلقي أيضًا بظلال وشبهات حول حقيقة وجدية هذا التقارب، وهل هو حقيقي أم مصطنع.
لا شكّ أيضًا أنّ متابعة الجماهير العربية لهذا الإعلام ومقارنته مع الإعلام المنتمي لفلسطين وقضيتها، يؤدّي إلى نتائج سلبية في نظرة الشعوب لحكومات هذه الدول، ويؤدّي إلى غضب شعبي، ويُسيء إلى الصورة الخليجية، ويضاف إلى ممارسات أخرى مخزية مثل ما كشفته وسائل إعلام أمريكية عن مشاركة السّعودية والإمارات بشكل سري في اجتماع أمني رفيع المستوى مع "إسرائيل" في البحرين، في خضم الحرب على غزّة والمجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين، حيث كشف موقع axios الأمريكي أنّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي التقى قبل أيام في البحرين مع نظرائه من عدّة جيوش عربية، تحت رعاية القيادة المركزية الأمريكية، وشارك في الاجتماع الجنرال هيرتسي هاليفي، رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، إلى جانب الجنرال الأمريكي ميشيل "إريك" كوريلا، وحضر الاجتماع في المنامة جنرالات كبار من البحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر. ورأى الموقع أنّ الاجتماع كان بمثابة إشارة إلى أن الحوار العسكري والتعاون بين "إسرائيل" والدول العربية مستمر في ظل القيادة المركزية الأمريكية، على الرغم من الانتقادات العلنية القاسية، والإدانة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وكانت أحدث الممارسات المخزية للإعلام السّعودي والإماراتي، تعاملَه مع مجزرة النُّصيرات، حيث أظهرها بأنها عملية استعادة (رهائن) وأنها إنجاز للاحتلال، متغافِلاً عن المجزرة التي أدّت إلى ارتقاء أكثر من 250 شهيدًا ونحو 700 جريح.
من الأمثلة الأخرى عن أداء ذلك الإعلام، نشر موقع سكاي نيوز تقريرًا بعنوان "في وضح النهار.. تفاصيل عملية إسرائيل لتحرير رهائن النصيرات"، أظهر "قوّة" جيش الاحتلال الذي قال إنّه "أنجز عملية معقدة"، كما عنونت قناة العربية تقريرًا لها "استعادتهم إسرائيل من وسط غزّة.. من هم الأسرى الأربعة؟"، وأرفقت التقرير بصور اجتماع الأسرى الإسرائيليين مع ذويهم للإيحاء بأنه إنجاز. وسارت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية على ذات المنوال، حيث نشرت تقريرًا بعنوان "إنقاذ رهائن في غزّة يتحوّل حمام دمّ"، وهو تلاعب بالمصطلحات يتطابق مع منظور العدو لقضية الأسرى، ولا يلتزم حتى الحياد الإعلامي.
على مدى سنوات طويلة، ورغم عدم جدية الحكومات الخليجية والعربية عمومًا في اتخاذ إجراءات رادعة للعدو، كان الإعلام محافظًا على حدٍّ أدنى من العروبة والالتزام بالقضية المركزية، ولكن ما يحدث اليوم من ممارساتٍ إعلامية، وخاصة من الجانب السعودي والإماراتي، هو التزامٌ برؤية العدوّ ومصالحه وسرديّته، وهو أمرٌ تخطّى نطاق اللامقبول إلى نطاق اللامعقول.