(أحمد شوقي / راصد الخليج)
كثرت التقارير، في المدة الأخيرة، عن دور رئيس رابطة العالم الإسلامي "محمد بن عبد الكريم العيسى"، وهو أحد أخطر أدوات ولي العهد محمد بن سلمان لتمرير مخططاته التي وصفت بالانقلاب على هوية المجتمع السعودي، وكذلك التمرير التدريجي للتطبيع مع "إسرائيل".
برزت، مؤخرًا، في وسائل الإعلام قضية تعاون ولي العهد محمد بن سلمان وفريقه الحاكم مع مركز أبحاث التبادل السياسي (Policy Exchange) البريطاني، والذي يعدّ أحد مراكز محاربة الإسلام ودعم الصهيونية. وأسباب إثارة القضية هو استضافة المركز للعيسي من أجل إلقاء محاضرة فيه. وهذا المركز هو أحد المراكز البحثية في بريطانيا، والتي تتبنى سياسات صريحة لمعاداة الإسلام والمسلمين "الإسلاموفوبيا"، وقد أُسّس في العام 2002 على يد مجموعة من المحافظين الجدد، وله دور بارز في تصعيد ثقافة التمييز والكراهية ضد المسلمين في الغرب، عبر تفكيك قيم التسامح ومبادئ التعددية الثقافية في بريطانيا، والذي استهدف المسلمين بالدرجة الأولى.
كما كان لدراسات المركز وأوراقه البحثية نتائج مباشرة في الواقع البريطاني، والتي أدّت إلى طرد عدد من أئمة المساجد بدعوى "التطرف والإرهاب"، وبعضهم كان متعاطفًا مع المقاومة الفلسطينية. وفي أحدث اجتماعات المركز، والذي حضره رئيس الوزراء البريطاني سوناك في مايو/أيار 2024، تكلّم فيه عن الأمن القومي وأدرج فيها موجة تزايد "التطرف" في بلاده. وتفيد التقارير أن بن سلمان أصبح حليفًا قويًا للمركز عبر ذراعه الديني محمد العيسى.
وفي العام 2023، اجتمع رئيس لجنة البيئة بالبرلمان البريطاني "ستيفن تيمز"، في العاصمة لندن، بالأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد العيسى. وتناول الاجتماع مبادرة "أديان من أجل كوكبنا" التي تقدّم آليات نوعية لرفع مستوى الوعي الدولي بحماية البيئة ومواجهة التغير المناخي.
كما ألقى العيسى محاضرة، في وزارة الخارجية البريطانية، ومحاضرة أخرى في أكاديمية وزارة الدفاع البريطانية، بحضور عدد من القيادات السياسية والدبلوماسية ونخبة من القادة العسكريين، استعرض خلالهما أهم أساليب المواجهة الفكرية لجذور الأيديولوجيا المتطرفة.
ويرى الكثيرون أن مشاركات العيسى تأتي لتلميع صورة بن سلمان أمام الغرب، وكذلك لترسيخ المزيد من التفاهمات وأدلجة العديد من مصطلحات وبرامج "الإسلام" برؤى غربية، ثم تطبيقه في بلاد الحرمين وباقي البلدان الإسلامية بحكم تأثير السعودية ونفوذ دور الرابطة بعد استيلاء ولي العهد عليها. واختيار العيسى لهذه المهمة ليس مفاجئًا، فهو معروف بأنّه رجل محمد بن سلمان الأول لتمرير مخططاته الدينية، والعرّاب الديني للتطبيع ومحاولة شرعنته، وفتح الباب على مصراعيه لتسلل الإسرائيليين إلى بلاد الحرمين والتغلغل فيها عبر أكثر من محور.
والعيسى هو النموذج المثالي للإسرائيليين الذين مدحوه علانية، حين وصفته صحيفة Times of Israel بـ "إمام الإسرائيليين"، كما أشادوا باختياره خطيبًا ليوم عرفة، وهذا يعطي إشارة لمستقبل السعودية، والذي يتّجه إلى تعزيز التطبيع مع "إسرائيل". والأخطر هو ارتباط عمل العيسى مع شخصيتين إسرائيليتين، هما جيسون غوبرمان، وهو مؤسس "ديارنا"، وزوجته إيرينا تسوكرمان.
و"ديارنا"، مؤسسة يهودية تدّعي العمل للحفاظ على الآثار اليهودية في المنطقة. أما إيرينا تسوكرمان فتعرّف نفسها خبيرةً بشؤون الشرق الأوسط ومدافعة عن حقوق إنسان، ولكنّها يهودية بامتياز. وهي عضو في اتحادات يـهودية مختلفة، ومن الداعين لإعادة "هيكل سليمان" بديلاً عن المسجد الأقصى، ودخلت بنفسها الأنفاق، كما تحضر اجتماعات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبار الشخصيات الأمريكية، مثل بومبيو.
والعلاقة بين العيسى وتسوكرمان باتت وثيقة؛ حيث ترافقه في معظم رحلاته وتنسّق له اللقاءات مع المنظّمات اليهودية، كما أثنت على جهوده في دفع عجلة التطبيع، وكتبت مقالة تمدحه عنوانها: "قافلة التطبيع ستصل إلى القدس". كما استضاف العيسى، قبل أشهر، الوفد اليهودي الأمريكي الذي يضم 13 من كبار الشخصيات المؤيدة لـــ"إسرائيل" لبحث التعاون بين المنظمات الإسلامية واليهودية، والتي وصفها موقع Jewish Insider بأنّها الرحلة الأولى من نوعها للمملكة.
تتزامن هذه الخطوات مع ما قالته مجلة نيوزويك الأمريكية من أن الإدارة الأمريكية تتغاضى عن الجرائم السعودية مقابل الاتفاقية الدفاعية الجديدة مع المملكة، تمهيدًا لتطبيع بلاد الحرمين مع "إسرائيل" علنيًا. وكذلك مع ما كشفته وسائل إعلام أمريكية عن مشاركة السعودية، سريًا في اجتماع أمني رفيع المستوى مع "إسرائيل" في البحرين، في خضم الحرب على غزة والمجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين.
السؤال هنا عن: ما هو مستقبل العلاقة بين الشعب السعودي "المسلم" ونظام يتعاون، ليس فقط مع العدو الإسرائيلي، بل مع منظمات الإسلاموفوبيا؟