(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
بالرغم من التعاطف الشعبي الكبير مع الموقف اليمني المساند لغزة وللقضية الفلسطينية، والمتمثل باحتفاء الجماهير بنجاح الطائرة اليمنية في الوصول إلى "تل أبيب" تتويجًا للإسناد الذي تقدمه اليمن، بحريًا بحصار "إسرائيل" ردًا على حصار الشعب الفلسطيني، وبالرغم من غضب الجماهير نتيجة العدوان الإسرائيلي على اليمن وقصف ميناء الحديدة، إلا أنّ ردود الأفعال الرسمية، وخاصة في دول الخليج، جاءت في مجملها باهتة ومخيّبة للآمال، في ما عدا الموقف العماني الذي شكّل استثناء، حين وصف الأمر على حقيقته بأنه عدوان، ووصف اليمن بأنه دولة شقيقة.
الشاهد، هنا، أنّ السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين قدموا إدانات شديدة لقصف ميناء الضّبة، في مدينة المكلا في محافظة حضرموت، عندما استهدفه الحوثيون منذ عامين. وكانت الإدانات كلّها منصبّة في أنّه ميناء لتصدير النفط وممر مائي ومنشأة مدنية، بينما تجاهلت هذه الدول قصف ميناء الحديدة، مع أنّها منشأة مدنية، والقصف استهدف خزانات الطاقة والكهرباء التي تخدم الشعب اليمني..!
بعد العدوان الإسرائيلي على الحديدة؛ اِختارت بعض دول الخليج الصمت؛ بينما خرجت بيانات سعودية وكويتية متشابهة، وخرج معها بيان لمجلس التعاون الخليجي يكاد يكون متطابقًا مع البيان السعودي، وكأنّه كتب بقلم سعودي.!.
إذا ألقينا الضوء على بيان مجلس التعاون لدول الخليج، نلاحظ إعرابه عن بالغ القلق إزاء التصعيد العسكري في اليمن وهجمات الكيان الإسرائيلي التي شهدتها محافظة الحديدة اليمنية، والتي ضاعفت من حدّة التوتر في المنطقة، وتضر بالجهود المستمرة لإنهاء الحرب على قطاع غزة والتوصل إلى حلّ سياسي في اليمن.
هو متطابق مع بياني السعودية والكويت في المصطلحات ذاتها، فقد استخدمت هذه البيانات مصطلح "الهجمات" بدلًا من العدوان، وساوت بين الأطراف، وطالبت الجميع بــــ"ضبط النفس".. اللافت، أيضا، في البيان هو ربطه التصعيد والإضرار بجهود السلام في اليمن، وهذا ما يستدعي التوقف والتأمل.. فلماذا يعيق الإسناد اليمني لغزة والمواجهات الناجمة عنه بين الكيان الإسرائيلي واليمن جهود السلام؟
هل السلام في اليمن مشروط بتوقفه عن مناصرة غزة والقضية الفلسطينية؟
من جهة أخرى؛ تلاحظ أن الموقف العماني كان هو الموقف الوحيد الذي يتسق مع العروبة والجوار. فقد جاء في بيان لوزارة الخارجية العمانية: "أعربت وزارة الخارجية عن إدانة سلطنة عُمان للاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على الجمهورية اليمنية الشقيقة، وهو ما يمثل تصعيدًا جديدًا للتوتر في المنطقة من شأنه أن يزيد الوضع الإقليمي تعقيدًا، ويعرقل جهود التهدئة وإنهاء الصراعات وتحقيق السلام المنشود، وخاصة في ما يتصل بالصراع العربي- الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني".
في هذا السياق؛ وُصف العدوان باسمه الحقيقي، وُربط بالصراع مع "إسرائيل"، وعبّر عن اليمن بأنها الجمهورية الشقيقة. وقد سبق هذا البيان بيان لمفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، أكد فيه أن على المسلمين جميعا أن يؤازروا اليمن وينصروها. وقال نصًا: "لقد فوجئنا بالعدوان الصهيوني الغاشم على اليمن الشقيق، وهذا ما يوجب على المسلمين جميعًا أن يؤازروا اليمن وينصروها؛ فأمة الإسلام أمة واحدة، والعدوان على أي منها، هو عدوان على الجميع".
يتزامن الموقف الخليجي، والذي يستثنى منه الموقف العماني، مع تسريبات وتحليلات تفيد بمشاركة بعض الدول في العدوان على اليمن عبر المرور من أجوائها والمساعدات في التزوّد بالوقود.. وإن كانت السعودية قد نفت، لكن أداء الإعلام السعودي والبيانات الرسمية لا ترجّح هذا النفي؛ بل تؤكد التكهنات وتضفي وجاهة على بعض تحليلات وسائل الإعلام العالمية التي لمحّت إلى حصول هذه المساعدات اللوجستية.
ما هو الأهمّ الآن أنّ اليمن توعّد بالرد، وهذا ما سيفتح جبهة جديدة قد تطول بين اليمن والكيان الإسرائيلي، وهذا ما لا تستطيعه "إسرائيل" عمليًّا.. خوض هذه المواجهة من دون مساعدات.
فأي طريق سيسلكه الخليج في هذه المستجدات والانزلاقات الخطيرة؟