(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
منذ عدة سنوات تتواتر التقارير المتعلقة بسياسات الإمارات في القرن الإفريقي. ولكن هذه التقارير ازدادت كثافة في الشهور الأخيرة، بعد اندلاع معركة "طوفان الأقصى" ودخول اليمن لاعبًا استراتيجيًا رئيسًا في الصراع عبر فرض حصار بحري على الكيان الإسرائيلي، وبعد مواجهاته المباشرة مع الولايات المتحدة وحاملة طائراتها "إيزنهاور". وركزت التقارير على موقعين استراتيجيين، في خليج عدن والمحيط الهندي، وهما أرض الصومال الانفصالية عن دولة الصومال وأرخبيل سوقطرى اليمني وممارسات دولة الإمارات المثيرة للريبة في هذين الموقعين، مع رصد إنشاء قواعد عسكرية بالتعاون مع أميركا و"إسرائيل".
أولًا: أرض الصومال
كانت أرض الصومال المطلة على خليج عدن، وذات الموقع المهم في منطقة القرن الإفريقي، أعلنت الانفصال عن الصومال عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق "محمد سياد بري" في العام 1991. وبالرغم من عدم الاعتراف الدولي بها، إلا أن الاقليم يتمتع بنظام سياسي فعّال ومؤسسات حكومية وقوة شرطة، وله عملة خاصة، ووجعل هيرجيسا عاصمة له، وأهم مدنه بربرة.
بالرغم من تحاشي الدول التعامل معه بسبب عدم الاعتراف به، إلا أن للإمارات وجودًا ملموسًا في هذه المنطقة، ففي مارس/ آذار من العام 2018 أعلنت إدارة أرض الصومال أن الإمارات ستدرّب قوات أمن في المنطقة في إطار اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية هناك. وكانت الإمارات قد بدأت، في العام 2017، إنشاء قاعدة على موقع في مطار مدينة بربرة في الإقليم، وسمح لها بالبقاء فيها لمدة ثلاثين عامًا، وتقع بربرة على بعد أقل من 300 كيلومتر إلى الجنوب من اليمن.
كما دشّنت شركة موانئ دبي العالمية مشروعًا بقيمة 101 مليون دولار لتوسيع ميناء بربرة، وجاء إطلاق المشروع وسط معارضة من الصومال الذي رأى أن سيادته قد انتهكت. وقال مسؤولون بارزون إن مثل هذه الاتفاقات هي تجاوز للسلطة الشرعية لمقديشو.
مؤخرًا؛ نشرت صحيفة فايننشال تايمز تصريحًا مثيرًا لشخص يُسمّى رئيس "أرض الصومال" موسى بيهي عبدي، والذي قال إن الاتفاق مع إثيوبيا يمكن أن يدعم الجهود الدولية لتأمين حرية الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر من هجمات "الحوثيين"، حيث ستقوم إثيوبيا ببناء ميناء وقاعدة عسكرية بحرية في ميناء بربرة، ونشر أسطول تجاري وعسكري من شأنه أن يساعد في الدفاع ضد التهديدات البحرية.
وبحسب بعض المراقبين؛ توقيت هذه التصريحات تكشف بأن رئيس إقليم "أرض الصومال" يرسل رسائل ترغيبية لواشنطن و"تل أبيب" في أن لديه خدمات يمكنهما الإفادة منها لمواجهة اليمن الذي يفرض حصارًا على السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى "إسرائيل"، مقابل الاعتراف بأرض الصومال دولةً مستقلة، خصوصًا مع رفض الدول المجاورة لليمن بالسماح لأمريكا وبريطانيا أن تضرب اليمن من أراضيها.
في تحقيق معمق لمنصة أيكاد؛ قالت:"بعد اندلاع الحرب في غزة ودخول "الحوثيين" على خط الصراع في البحر الأحمر، لاحظنا تطورات عسكرية في قاعدتين تسيطر عليهما الإمارات في إقليم "أرض الصومال" على خليج عدن؛ وهما: بوصاصو وبربرة". وأضافت المنصة في تحقيقها أن:"عمليات التطوير تزامنت مع جسر جوي تقوده طائرات شحن عسكرية كانت تنطلق من الإمارات إلى تلك القاعدتين. وهاتان القاعدتان تقعان تحت النفوذ الإماراتي، حيث تدير أبو ظبي قاعدة بربرة منذ العام 2016، وقاعدة بوصاصو منذ العام 2017، بموجب عقود وقعتها شركة "موانئ دبي العالمية" لإدارة موانئ القاعدتين وتطويرها مع حكومة إقليم "أرض الصومال".
كما، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الإمارات استخدمت قاعدة بوصاصو لأغراض عسكرية؛ منها ردع النفوذ الإيراني ومكافحة تهريب الأسلحة للحوثيين ودعم الجماعات العسكرية الموالية لها في جنوبي اليمن. وأشارت منصة إيكاد أنه، في صور الأقمار الصناعية، لوحظ بأن النشاط بدأ منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
ثانيا: سقطرى
منذ بدء العدوان على اليمن، في العام 2015، تسعى الإمارات إلى السيطرة على أرخبيل سقطرى الإستراتيجي اليمني، في المحيط الهندي. وبعد عملية "طوفان الأقصى" العام الماضي، قامت الإمارات بتسريع بناء قاعدة عسكرية إماراتية - إسرائيلية يجري بناؤها في جزيرة عبد الكوري، وهي ثاني كبريات جزر الأرخبيل بعد سقطرى.
هذا؛ وجدير بالذكر أنّ التقارير والتحليلات القائمة على الرصد والتتبع أكدت أنه بالرغم من الحرص على محاولة إبعاد "إسرائيل" عن الواجهة في هذا المشروع، إلا أن الهدف النهائي هو الربط بين جيوش وأجهزة أمن "إسرائيل" وبين بعض الدول العربية، تحت مظلة "القيادة المركزية الأميركية". وهذا ما تجلّت أولى صوره في اللقاء السري بين رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي وقائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا وقادة جيوش السعودية والبحرين ومصر والإمارات والأردن، في المنامة في 22 يونيو/ حزيران الماضي، وتناول ما أطلق عليه "التجربة الناجحة" في التعاون بين هذه الجيوش في محاولة صد الهجوم الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيّرة على "إسرائيل" ليل 14 - 15 أبريل/نيسان الماضي.
أما بخصوص أميركا و"إسرائيل"، فليس ثمة وجود دائم وظاهر لهما في سقطرى، لكنّ وفودًا أميركية وبريطانية تأتي أحيانًا بطائرات خاصة وبغطاء إماراتي أو سعودي، وتستمر زيارتها ساعات ثم تغادر. وخلال تلك الزيارات، قام الأميركيون بالإشراف على إعادة تأهيل موقعين أساسيين كانا تابعين للاتحاد السوفياتي السابق. الأول يقع في منطقة رأس موفي، وهو عبارة عن مرتفع شرق الجزيرة يطل على البحر العربي والمحيط الهندي شرقًا، والثاني يقع عند رأس قطينان غرب الجزيرة، ويطل على المحيط الهندي ومدخل خليج عدن غربًا.
لقد كان الموقعان يحتويان رادارات سوفياتية كبيرة تسيطر على المحيط الهندي، فيما العناصر الموجودة فيهما حاليًا تتبع الإمارات التي تقوم منذ نحو سنة ونصف سنة، ببناء محطة رادارات لرصد حركة الملاحة البحرية في المحيط الهندي والبحر العربي ومدخل خليج عدن، علمًا أن كليهما يعدّان الأهم في الجزيرة وعبرهما يرُصد ويُتابع كل من يتحرّك ذهابًا وإيابًا في خليج عدن.
أخيرًا، كشفت صور للأقمار الصناعية من موقع «planet»، تطوّر عمليات الإنشاء في القاعدة العسكرية الإماراتية، في جزيرة عبد الكوري (يقطنها 1400 نسمة)، والتي تضم مطارًا عسكريًا ما زال البناء فيه مستمرًا، علمًا أن الجزيرة تحتوي أيضًا منشآت عسكرية واستخباراتية إماراتية - إسرائيلية.
كما كشف موقع "إيكاد" لاستخبارات المصادر المفتوحة أن القاعدة الإماراتية، في عبد الكوري، تتلقى تدفقًا مستمرًا من الشحنات، بينما تشارك سفن مجهولة الهوية في أنشطة قريبة منها. وتثير هذه الأحداث، إلى جانب العمليات التجارية، تساؤلات عن الإستراتيجيات العسكرية المحتملة التي تُتبع تحت ستار العمليات التجارية الروتينية، لتعزيز الأجندات الإقليمية. وبحسب تقرير، نشره "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية"، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تضم جزيرة سقطرى قاعدة استخباراتية إماراتية، يمكن أن تُنشر فيها أجهزة استشعار إسرائيلية الصنع لمواجهة الصواريخ والمسيّرات الإيرانية.
السؤال هنا عن مصير الإمارات وقواتها إذا ما توسّع الصراع، ودخلت الأمور في حرب إقليمية: فهل بهذه الممارسات تصطف علنا مع "إسرائيل" وينالها ما ينال "إسرائيل" في المعركة، وهل هكذا تكون قد حافظت على مصالحها وأمنها القومي؟