(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تقوم مخاطبة الرأي العام على أسس علمية، وتقوم الدعايات والاختراقات على منهج مدروس بعناية يقسم الجماهير الى شرائح عمرية وثقافية واقتصادية، ولا يوجد تخطيط عشوائي للتوجيه والدعايات.
ولعل تقسيم الأجيال الى فئات "اكس" و"واي" و"زد"، هو التقسيم الأشهر في التسويق، سواء للسلع الاستهلاكية، أو للأفكار والمفاهيم والاستقطاب السياسي.
وقي مراحل الغزو الثقافي المختلفة اهتم الغرب كثيرا بمخاطبة جيل "زد" وجيل الألفية "واي" باعتبارهما يشكلان السواد الأعظم للمجتمعات والشعوب الراهنة، وباعتبار أن الجيل "زد" "مواليد الثمانينيات" وجيل الألفية "مواليد التسعينيات" هم من الشرائح الفاعلة والمؤثرة، ومؤخرا أيضا تم تكثيف التعاطي ببرامج جديدة مع جيل "الفا" وهم مواليد ما بعد العقد الأول في القرن الجديد.
وأصبحت المنصات الرقمية هي منابر للدعاية، وكلما تم تطويرها والإنفاق عليها وضبطها لتناسب هذه الأجيال، كلما كان تأثيرها فعالا وناجحا في بث الدعايات والوصول لحالة جماهيرية اقرب لما يريده المخططون.
ولعل دولة الإمارات لها خصوصية وتميز في هذا المجال وقامت بإنشاء العديد من المنصات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي وموّلت العديد منها في دول أخرى.
وفي سبتمبر 2023، أزيح الستار عن مشروع "بليـنكْس" الإعلامي الرقمي الذى يتخذ من دبى مقراً له، وهو أوّل "ميديا هَب MediaHub " من نوعه في الشرق الأوسط، يستهدف جيل "زِد" وجيل الألفية في المنطقة وخارجها، لإشراكهم في رواية الأحداث وتغطية الأخبار وسرد القصص.
ووفق بيان للمشروع، "يلتزم بليـنكْس نهجاً قوامه الدقة والمصداقية والثقة واحترام ذكاء المتلقي ووقته، بعيداً عن الأخبار الزائفة والمعلومات الخاطئة والمضلّلة. في كل مرّة يتعامل فيها شابات وشبّان الـ "ميديا هَب" مع القضايا الحساسة، يتم بذلك دون مبالغة، أو تضخيم، أو تحريف، أو إثارة".
ولكن المشكلة برزت مع تحليل مضمون هذه المنصات، وما اثير بتعاون صهيوني اماراتي في بعضها، وقد رصد خبراء لتحليل المضمون الإعلامي لمنصة بلينكس، اعتمادها على كل ما من شأنه التحريض على المقاومة الفلسطينية والإساءة للقضية الفلسطينية ومستقبلها مقابل الترويج للجيش الإسرائيلي وتبييض جرائمه بحق المدنيين الفلسطينيين.
ومن ذلك نشر منصة “blinx news” فيديو مُضلِّل لأسيرة إسرائيلية سابقة لدى فصائل المقاومة في غزة، بحيث تم تحريفه وإخراجه من سياقه لتوجيهه بأن الأسيرة تم محاولة إجبارها على الزواج في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة!.
وبرصد اللجان الالكترونية أو ما يعرف بالذباب الالكتروني، فقد تم رصد استنفار لجان إماراتية منذ أشهر عديدة عبر إنشاء عشرات الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي للتعليق على تطورات الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، بهدف التقليل من جدوى المقاومة وتحميلها مسؤولية الدماء.
وبتحليل للمضمون، فقد تم رصد اجماع على إيصال ثلاث رسائل رئيسية للجماهير، وهي، شيطنة المقاومة الفلسطينية ودعم "إسرائيل" إلى جانب الترويج للدور الإنساني لأبوظبي في غزة، وذلك عبر انتحال أسماء فلسطينية وهمية من أجل بث بذور الفتنة وتأليب الرأي العام المحلي في غزة على المقاومة.
علي النعيمي ومركز هداية:
ولعل من ابرز الوجوه الإماراتية في هذا المجال، يأتي "علي النعيمي"، رئيس مجلس إدارة "مركز هداية"، وهي مؤسسة إماراتية تصف نفسها بالرائدة في مكافحة التطرف العنيف، والنعيمي من كبار المدافعين عن سردية المحرقة اليهودية واحد القلائل الذين يستضيفهم معهد واشنطن للحديث عن المحرقة المزعومة.
وفي ديسمبر 2019 وقع مركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف مذكرة التفاهم مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ، وشن النعيمي المعروف بـ "عراب التطبيع" في الإمارات، هجوماً شديداً على المقاومة الفلسطينية، وتحديداً حركة حماس، زاعماً أن "إسرائيل وُجدت لتبقى".
وشارك النعيمي في مؤتمر صحفي خاص عبر الإنترنت نظمته الجمعية اليهودية الأوروبية (EJA) ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، وأدلى بتصريحات مثيرة للجدل ضد المقاومة الفلسطينية.
وقال النعيمي إن اتفاقات التطبيع ليست في خطر وسط حرب "إسرائيل" الدموية على قطاع غزة، زاعما أن "الاتفاقيات التطبيعيّة هي مستقبلنا. إنها ليست اتفاقية بين حكومتين، ولكنها منصة نعتقد أنها يجب أن تغير المنطقة".
والنعيمي، هو شخص مقرب من دوائر صنع القرار في أبوظبي، ومن أكبر دعواته تغيير النظام التعليمي والسرد الديني.
وتحدث مرارا وتكرارا عن تغيير النظام التعليمي بما يتوافق مع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، فقد اقترح في يناير 2021 -بعد أربعة أشهر من توقيع اتفاقية التطبيع- بتغيير المنهج لإنهاء ما أسماه "التطرف الإسلامي".
وتعليقاً على الاحتجاجات الرافضة للحرب الإسرائيلية على غزة، قال النعيمي "نحن بحاجة إلى أولئك الذين يؤمنون بالسلام في أوروبا والولايات المتحدة وفي كل مكان لمواجهة خطاب الكراهية الذي نراه في المظاهرات في باريس ولندن".
هنا يتخطى الموضوع نطاق التواطؤ مع جرائم العدو ليصل لنطاق الاختراق الثقافي للأجيال الجديدة وهو تعاون لم يخطر في بال واحلام واوهام العدو والمستعمر، وتفاجئنا دوما الامارات بكل جديد وصادم!