(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تفاقمت أزمة الكهرباء في الكويت لدرجة أربكت المواطنين والعديد من المؤسسات. ووصفت هذه الأزمةن في كثير من وسائل الإعلام العالمية، بأنّها أزمة نادرة في بلد نفطي.
في أحدث مظاهر الأزمة؛ أعلنت وزارة الكهرباء والماء والطاقة في الكويت اضطرارها إلى قطع التيار الكهربائي؛ وذلك بسبب إجراءات الصيانة الطارئة لبعض وحدات توليد الكهرباء عن 11 منطقة سكنية للحفاظ على استقرار المنظومة الكهربائية في البلاد.
كما أُعلن عن عودة برنامج تخفيف الأخمال، والذي يعرف في الكويت بعنوان "القطع المبرمج". فقد نقلت جريدة الرأي الكويتية، عن مصدر مسؤول في الوزارة، أنّ سبب لجوء الوزارة للقطع المبرمج يعود إلى 3 عوامل رئيسة؛ وهي: خروج وحدات إنتاج الكهرباء في بعض المحطات بشكل مفاجئ، ارتفاع درجة الحرارة القسوى، وتسجيلها 49 درجة؛ بدء العام الدراسي.
اللافت أن وزارة الكهرباء لجأت إلى القطع المبرمج هذا العام، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. وكانت الأسباب المعلنة هي تزايد عدد السكان والتوسّع العمراني وارتفاع درجات الحرارة وتأخر صيانة بعض المحطات الكهربائية. إلّا أنّ هذه الأسباب ليست جديدة؛ فالمناخ في الكويت والخليج عمومًا معروف بارتفاع درجات الحرارة فيه، كما أنّ التوسّع العمراني وتزايد عدد السكان هو تطور طبيعي للدول يستتبع معه تخطيط وتوسّع في البنية النتحتية والخدمات.
لهذا؛ هناك أسباب أخرى تشكّل حقيقة هذه الأزمة، وربما أفصحت الوزارة عن جانب منها في أغسطس/آب الماضي، حين أرجعت الوزارة سبب القطع إلى ما حدث من خلل في إمدادات الوقود (الغاز) الذي أدى إلى خروج عدد من وحدات توليد الكهرباء عن الخدمة. وهنا تأتي الأسباب الحقيقية، والتي حذر منها خبراء منذ عقود، من أزمة كهرباء تلوح في الأفق، بسبب التردد بشأن بناء محطات كهرباء جديدة لمواكبة ارتفاع الطلب.
هذا ما أكده فؤاد العون، وهو المسؤول السابق في وزارة الكهرباء والماء الكويتية، لبلومبرغ حين قال: "توقعت أن يحدث ذلك قبل عامين أو ثلاثة أعوام. لم يفهم أحد أهمية اتخاذ التدابير الوقائية، عليك أن تخطط لسنوات مقدمًا..". وأكد "العون" أن محطات الكهرباء قديمة، وفشلت الدولة في تجديدها بسبب نقص قطع الغيار، فضلًا عن قلة الاستثمار في مشاريع جديدة لإنتاج الكهرباء، وذلك يشكّل جزءًا رئيسًا من المشكلة".
صندوق النقد يدخل على الخط ويقترخ الخصخصة:
لكن أكثر ما يثير القلق، هنا، بالنسبة إلى المواطن الكويتي، هو دعوات بعضهم للخصخصة ودخول صندوق النقد الدولي على الخط ونصائحة برفع الدعم وزيادة أسعار الكهرباء. فقد نصح بعض خبراء الخصخصة بإسناد بعض اختصاصات الوزارة إلى القطاع الخاص، كما هو معمول به في معظم دول الخليج، ورفع أسعار بيع الكهرباء عن طريق شرائح بحسب الاستهلاك. وقد طُرح هذا الاقتراح مرات عديدة، لكن لم يُوافق عليه، بسبب معارضة أعضاء مجلس الأمّة.
لكن بعد حلّ مجلس الأمّة، يتزايد القلق حيال هناك خطوات متقدمة قد بدأ التمهيد لها، وخاصة بعد نصائح صندوق النقد الدولي، والذي يشتهر بأنّه "صندوق الخراب". فقد عقدت بعثة من صندوق النقد الدولين بقيادة فرانسيسكو بارودي، مناقشات مع السلطات الكويتية في مدينة الكويت في 30 إبريل/نيسان إلى7 مايو/ أيار في العام الحالي (2024).
في ختام البعثة، أصدر بارودي بيانًا؛ فيه فقرة لافتة تقول:
"لقد تعطَّل التقدم في إصلاحات المالية العامة والإصلاحات الهيكلية بسبب تأزم المشهد السياسي بين الحكومة ومجلس الأمّة. وقد يؤدي استمرار التأخر في إجراء الإصلاحات المالية والهيكلية المترتبة على ذلك إلى اتخاذ سياسة المالية العامة مسارًا مسايرًا للدورة الاقتصادية وتقويض ثقة المستثمرين، مع إعاقة التقدم نحو تنويع الاقتصاد وتعزيز القدرة التنافسية. لذلك ينبغي التعجيل بإقرار "قانون الدين العام" الجديد لضمان تمويل المالية العامة، بصورة منظمة، مع تشجيع تطور سوق الدين المحلي".
هذا الكلام للصندوق هو تذكير بتوصيات كانت أكثر صراحة أصدرها في يونيو/ حزيران 2023، حين شدّد خبراء صندوق النقد الدولي في توصيات للكويت على ضرورة ضبط أوضاع المالية العامة، بشكل كبير، على جانبي الميزانية؛ خاصة الإنفاق العام والإيرادات غير النفطية، والتخلص من دعم الطاقة. ودعا إلى أن الحد من الإنفاق الجاري يتطلّب ترشيد فاتورة أجور القطاع العام والتخلص التدريجي من الدعم الكبير للطاقة مع استبدالها بدعم الدخل المستهدف للأسر محدودة الدخل.
هذا؛ وجدير بالذكر أنّ أزمة الكهرباء ليست جديدة، ففي العام 1983 قُطعت الكهرباء عن معظم مناطق البلاد، وتكرر القطع لعدة أيام. وأثر ذلك شكّلت الحكومة وقتها فريقًا فنيًا لبحث أسباب هذا الانقطاع ووضع الحلول لتفادي المشكلة في المستقبل، فاستعانت الحكومة بفريق فني بريطاني من «CEGB». وبعد دراسة الأسباب والحلول؛ وُضعت خطة بأن تقوم وزارة الكهرباء ببناء محطة جديدة لتوليد الكهرباء كل 5 سنوات، وهي المدة التي يستغرقها بناء محطة جديدة على أساس نمو سنوي للاستهلاك يعادل 7.5%، على أن تقوم الوزارة بإعداد المواصفات الهندسية والفنية وميزانية تقديرية لتكلفة وإعداد مناقصة لطرح محطة جديدة، بعد تشغيل المحطة التي كانت قيد الإنشاء. استمرت الوزارة في العمل بهذه الخطة، ومنذ ذلك الحين لم تقم ببناء محطة جديدة لتوليد الكهرباء تلبّي احتياجات التوسّع في العمران والمشاريع وزيادة السكان. ومن الأسباب التي أدت إلى انقطاع الكهرباء، أيضًا، هو التخلي عن الخطة السابقة الذكر والتوقف عن بناء محطات جديدة منذ 20 سنة.
السؤال هنا: هل تخلّت الحكومة عن دور الدولة الخدماتي؛ وبدأت في طريق توصيات صندوق النقد وخبراء الخصخصة؟ إذ إنّ الازمة الراهنة ومعاناة المواطن الكويتي قد تدفعه للقبول بأي حلول، حتى لو كانت إلغاء الدعم ورفع أسعار الكهرباء؟