(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
ممّا لا شك فيه أنّ السعودية تمثل دولة من أكبر الدول العربية والإسلامية بخصوصية اقتصادية كبرى تكفل لها وزنًا في الاقتصاد العالمي، وخصوصية دينية حيث تتشرّف بخدمة الحرمين الشريفين. وهذا ما يلقي عليها مسؤولية كبيرة في التعاطي مع قضايا الأمّة؛ حيث تتجه الأنظار دوما إليها ولدورها عند كل أزمة وكل محنة تمر بها الأمّة.
بالرغم من أنّها ليست دولة مواجهة جغرافيًا مع الكيان الإسرائيلي، مثل مصر وسوريا ولبنان والأردن، إلا أنّ دورها الوازن في الأمّة العربية يشكّل دومًا مسؤولية ودور في الصراع العربي- الصهيوني. وقد شهدت محطات الصراع أدوارًا مساعدة للجبهات في الحروب الكبرى عبر المواقف السياسية ودعم الجبهات وتمويلها؛ بل وكانت من الدول التي قاطعت مصر عقب اتفاقية "كامب ديفيد"، وتحتفظ حتى الآن رسميًا بعدم الاعتراف والتطبيع بالرغم من مساعي التطبيع كلها، وبالرغم من التعديلات التي طرأت على الخطاب السعودي، ولكنها لم تخرج رسميا بعد إلى أي نطاق رسمي وتنفيذي.
كما أنّ المبادرة التي تعمل الدول العربية بمقتضاها ومرجعيتها، منذ قمة بيروت العام 2002، هي مبادرة سعودية بالأساس أطلقها الملك الراحل عبد الله، وهو دليل على دور السعودية السياسي الوازن عربيًا ودوليًا. وعند كل محطة صدام أو خلاف مع أميركا، يتمّ التوجه إلى السعودية للمساعدة بحكم علاقاتها التاريخية والاستراتيجية مع أميركا، إذ تشكّل أقوى علاقة لاميركا مع دولة عربية.
إزاء هذا الواقع؛ ومنذ الهجمة الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة على المنطقة ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية، تصاعدت جهود التطبيع مع السعودية ومحاولات ضمّها إلى "الاتفاقيّات الإبراهيمية" لبثّ اليأس في نفوس الأمّة، بعد خروج أكبر جيش من الصراع بخروج مصر من الصراع مع العدو الإسرائيلي، ومحاولة إلحاق أكبر اقتصاد بهذا الخروج لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء وجودها.
بالرغم من كلّ التحفظات على المواقف التي اتخذتها المملكة من حركات المقاومة التي عرقلت تصفية القضية، إلّا أنّ احتفاظها حتى الآن بعدم التطبيع يشكّل ضوءًا في نهاية النفق وخطوة يمكن البناء عليها في طريق استعادة المملكة لدورها في حماية القضية المركزية للأمّة.
إذ تمتلك السعودية نفوذًا على الجامعة العربية والمنظمات الإسلامية ومجلس التعاون الخليجي، كما تمتلك أوراق ضغط اقتصادية وازنة، وهو ما يمكن توجيهه على الأقل لكبح جماح هذا العدوان الدموي، والذي تقوده أميركا بدعمها السياسي والاقتصادي والتسليحي للكيان الإسرائيلي. إذ مجرد تعطيل التطبيع وتأجيله يراه المراقبون ضغطًا على أميركا ويجبرها على تقديم خطاب منافق وعدم تصريح بأنّها مشاركة بالعدوان، فما بالنا لو استغلت السعودية أوراق الضغط الاقتصادية، وساندت الدول والحركات الممانعة والمقاومة، فهو سيشكّل انقلابًا في الموازين في الإقليم.
رؤية 2030
من يتأمل الرؤية التي تقدم السعودية نفسها للأمّة وللعالم بها، وهي رؤية 2030، يلمح في افتتاحيتها فقرة تقول نصًا: "إنّ مكانة المملكة العربية السعودية ستمكّنها من القيام بدور قيادي في قلب الدول العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه، ستستخدم المملكة قوتها الاستثمارية لبناء اقتصاد متنوع ومستدام. كما ستستغل المملكة موقعها الاستراتيجي الذي يربط القارات الثلاث: أفريقيا وآسيا وأوروبا." كما نجد فقرة أخرى عن قيم المملكة تقول: "المملكة العربية السعودية تفخر بما يجعلها أمّة استثنائية، وهما الدين الإسلامي والوحدة الوطنية. الأمّة هي نواة العالم العربي والإسلامي، وهي تمثل قلب الإسلام. إنّ المملكة واثقة- بإذن الله- أنّها ستبني مستقبلاً مشرقًا مبنيًا على الثقافة الإسلامية."
في هذا الصدد؛ نحن نطالب السعودية ونحثها على التقيد بهذه الفقرات من رؤيتها وممارسة دورها القيادي وقيمها الإسلامية، والتي تستوجب نصرة المظلومين والمعتدى عليهم ومواجهة الظالمين والمعتدين وتسخير إمكاناتها الاقتصادية في خدمة الأمّة وشعوبها ونصرة قضاياها.
المملكة، اليوم، في امتحان تاريخي وسط هذه الهجمة الشرسة التي تريد فرض "إسرائيل الكبرى"، وهو امتحان مزدوج لمكانتها الشخصية التي ستنزوي بصعود مكانة العدو -لا سمح الله- ومكانتها العامة والقيادية في الأمّة.
نرجو أن تجتاز السعودية هذا الامتحان بنجاح، وتستعيد دورها وتحمّل مسؤولياتها تجاه الأمّة؛ لأنّه لن يصبّ في مصلحة الأمّة فقط؛ بل في مصلحتها أيضَا.