(فؤاد السحيباني \ راصد الخليج)
يذكر التاريخ عددًا من النساء اللاّئي لعبن أدوارًا حاسمة في لحظات مصيرية بالنسبة لأوطانهم، يذكر مثلًا شجرة الدر، وموقفها في مواجهة الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع، حين توفى السلطان الصالح أيوب، وقدمت هي أحد أعظم الدروس الإستراتيجية، حين توفي زوجها خلال الحملة، بموقف فيه الثبات والصبر ووأد الفتنة وحماية الأمة من ضعفها وانقسامها وما يفت عضدها، وفي مقابل نموذج مضيء نجد في عصر السقوط الحالية الشيطانة السعودية في واشنطن، ريما بنت بندر، تمارس عملية بيع وسمسرة لأمة بكاملها، ولقضية لها وزنها من الحساسية والإلهام، والمقابل لن يكون أكثر من مليارات عطف الملك الجديد، كما كان أبوها بالضبط.
لنعد إلى أول الحكاية، أحد أخطر الشخصيات التي مرت على الشرق الأوسط كان السفير السعودي في أميركا بندر بن سلطان، ورئيس الاستخبارات السعودية فيما بعد، وهو الرجل الذي تولى وضع إطار واضح لعلاقات التبعية الكاملة بين واشنطن والرياض، وكان صاحب نفوذ كبير في واشنطن اعتمادًا على دوره في صفقات التسليح، ثم على مكاتب العلاقات العامة التي تولت الترويج وتلميع صورته في أميركا إلى حد وصفه بـ "بندر بن بوش" بسبب علاقته الوطيدة بعائلة بوش، لكن أدواره الأخرى في خدمة الصهيونية يمكن إيجازها في نقاط مفصلية، هي تدخلاته في حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، وبعدها كان أحد الأفخاخ التي نصبت لتشكيل تحالف دولي لتحرير الكويت بمشاركة دول عربية، وبصفقات مشبوهة، ثم تحويل السعودية إلى أضخم قاعدة أميركية خارج أراضيها، وربما يكون عالم "بندر" المظلم الأسود يحمل كوارث أشنع وأفظع، خصوصًا مع ما كان يروج له من اتصالات مبكرة مع كيان العدو، وتنسيق متكرر مع أجهزة المخابرات الأميركية والصهيونية.
نحن الآن في عصر الملك سلمان، والملك يريد شخصًا يربط بين الرياض وواشنطن، خصوصًا لتأمين صعود ولي العهد محمد بن سلمان للحكم، فعين ابنه الآخر خالد –الذي فشل كوزير للدفاع- سفيرًا بواشنطن، ثم جاءت حادثة "خاشقجي" لتفضح انعدام مواهبه، ورداءة تأهيله، والأهم: غباءه الفطري المدهش، كان الفشل الذي صاحب "خالد" أكبر من أن تحتمله حساسية العلاقات الأميركية السعودية، لذا وضع سلمان رهانه على شيطانة بنت شيطان، لتعين ريما بنت بندر في العام 2019، وتكون أول امرأة سعودية تشغل منصب سفيرة برتبة وزير.
المثير في قصة "ريما" إنها كانت أيضًا نجمة من نجمات مجتمع الصفوة الأميركي، مثلًا: تبنى مؤتمر "دافوس" العالمي لصناع السياسات ضمها إلى برنامج "القيادات العالمية الشابة"، ثم وضعتها مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في قائمة "كبار المفكرين العالميين"، وتوجتها مجلة "فاست كومباني" الأميركية كواحدة من "أكثر الشخصيات إبداعًا" في 2014، ولا يحضر هنا سوى القول الشهير للثائر الأندونيسي سوكارنو: "إذا بدأت أميركا بتلميع شخص، فهو إما خائن بالفعل أو عميل محتمل".
الشيطانة التي وعت أن أقرب طريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب، قررت أن تدفع بجهدها الخاص عملية التطبيع المتعثرة، ونقلت تقارير صحفية خبرًا –منطقيًا- عن اشتراك السفيرة السعودية في مؤتمر "MEAD" في واشنطن، والذي حضره العضو السابق في كابينت الحرب بيني غانتس، ووزير الاقتصاد نير بركات، ورئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، ووزير الخارجية ورئيس الأركان السابق غابي أشكنازي، وسفير الاحتلال في الولايات المتحدة مايكل هيرتسوغ، وألقت السفيرة خطابًا أكدت فيه أن طريق التطبيع لا يزال مفتوحًا بين المملكة والكيان!
يمكن لأي شخص أن يكذب أو يصدق التقارير، رغم إن القصة متسقة مع شخصيتها ومبادئها ومواقفها المعلنة، لكن لا يمكن لإنسان عاقل أن يكذب ما قاله ابن سلمان بلسانه، للصحفي الصهيوني، "جيفري غولدبيرغ"، مجلة "ذي أتلانتيك"، في نيسان/ إبريل 2018، حيث قال نصًا: "عملنا بجهد في المملكة السعودية في سبيل المصالح الأميركية العليا، واجهنا المد الهائل بعد انتصار الثورة الإسلامية في طهران، وواجهنا قبل ذلك عبد الناصر في مصر، وهما كانا صانعا الفوضى أمام الوجود الأميركي بالمنطقة، ووقفنا ضد العقيدة الشيوعية للاتحاد السوفياتي، ثم وقفنا بقوة ضد أيديولوجيا الثورة في إيران، والتي كانت أيضًا تعادي مصالح واشنطن".
صدق ولي العهد ابن سلمان، وهو الكذوب، حين قال إنهم يعملون للمصالح الأميركية، وفقط.