(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
عندما أعلن مجرم الحرب بنيامين نتنياهو سعيه لإقامة "شرق أوسط جديد" ممسكًا بخرائطه في يده ومخاطبًا السعودية، بالاسم وعلنًا، أن تضع يدها في يده وتبدأ في التعاون معه وفي التطبيع، لم يكن يتحدث بلسان إسرائيلي صرف، إنما بلسان أمريكي يشرف ويقود ويهندس العدوان على المنطقة وشعوبها.
لعل تخصيص نتنياهو للسعودية، في خطابه، يشكّل إهانة لها من جهة، ومن جهة أخرى يدلل على المسؤولية الملقاة على عاتقها لمواجهة هذا المشروع. فهو يشكّل إهانة؛ لأنّ نتنياهو يستفزّ جميع الدول والشعوب العربية والإسلامية بزهوه وفرضه مشروعًا بالقوة والبلطجة، ويريد مشاركة السعودية واصطفافها معه في هذه المذلة الموجهة للعرب والمسلمين.
هو يلقي المسؤولية على السعودية؛ لأنه يدلل على مكانتها وحجمها والدور المطلوب منها في هذا المخطط الاستعماري، وتاليًا لأنّ مقاومة السعودية ورفضها واستخدام أدوات الضغط وأوراق القوة لديها بإمكانه تعطيل هذه الخطط لإقامة "إسرائيل الكبرى" على حساب دول المنطقة وشعوبها؛ ومنها السعودية من دون شك.
لبيان خطورة المشروع وجديته؛ ينبغي العودة إلى ما أعلنته وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق كوندوليزا رايس، في أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان يوليو/تموز 2006، عندما قالت إن آلام هذه الحرب هي:" الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد". وكما رصد الخبراء ومعظم المحللين، لم تتحدث الوزيرة الأميركية عن "الشرق الأوسط الكبير"، والذي أطلق فكرته الرئيس بوش في العام 2002، ولا عن "الشرق الأوسط الموسّع"، بل ذهبت إلى التعبير الذي صاغته "إسرائيل"، في كتاب شمعون بيريز الذي يحمل العنوان نفسه "الشرق الأوسط الجديد" الذي صدر في العام 1996.
لكنّ فكرة هذه المشاريع، بصرف النظر عن مسمياتها، تدور في فلك تصفية القضية الفلسطينية وفرض "إسرائيل الكبرى" أمرًا واقعًا لتقود المنطقة مع منافع اقتصادية كبرى وتغيير جذري في الثقافة والتعليم، وهذا في الجانب المعلن منه.
أما الجانب الاستعماري الخفي؛ فهو يقوم على إضعاف الدول العربية والإسلامية، وخاصة الكبرى مثل مصر وسوريا والعراق والسعودية، عبر التقسيم والتجزئة لمكونات أصغر؛ حيث لا تقوى على مناطحة "إسرائيل"، فتصبح مجموعة من الأقليات، كلها أصغر حجمًا وتأثيرًا من "إسرائيل".
في هذا السياق؛ لا بد من مراقبة التجاوب السعودي مع مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وربما ذلك كان بسبب تقدير سعودي خاطئ للمشروع بأنه سيجلب منفعة اقتصادية ومكانة إقليمية ودولية للمملكة أكبر من المكانة الحالية. وهذا التجاوب يتمثل في تماهي رؤية السعودية 2030 مع مفردات "الشرق الأوسط الجديد" في تغيير نظم التعليم وتمكين المرأة وطرق وممرات التجارة الجديدة والإصلاحات الاقتصادية المتماشية والسياسات النيوليبرالية. وهذا ما كان وراء الانقلاب المجتمعي والثقافي، في المملكة السعودية، والاتجاه نحو الترفيه وسياسات التخلي عن الدعم ومشروعات مثل "نيوم" وغيرها.
كما أن دول مجموعة الثمانية كانت أكبر من تبنى هذا المشروع، ومع ملاحظة التعاون الكبير مع السعودية نلمح ظلالًا كبرى للسعي نحو هذا المخطط الذي تظن السعودية به خيرا!!
إذ في تقرير خاص لقناة "I24NEWS" الإسرائيلية، أشار شموئيل بار إلى أنّ: "التطبيع التكنولوجي سبق التطبيع الديبلوماسي بين "إسرائيل" والسعودية"، متوقعًا في ظل المتغيرات السياسية أن: "تحلّ التقنيات التكنولوجية الإسرائيلية المتطوّرة والخدمات المرتبطة بها مكان النفوذ الأميركي الذي ينسحب من المنطقة". كما أكّد مؤسس شركة "إنتوفيو للتكنولوجيا" الإسرائيلية، أنّ: "السعودية استعانت بخدمات الشركة من أجل مسح بيانات خاصة بالمواطنين السعوديين تتعلّق برؤية المملكة لعام 2030". ووفقًا للتقرير، قال بار إنّ شركته "انتوفيو" قامت: " بفحص بيانات ومعلومات تتعلق بالسماح للمرأة بقيادة المركبات، بعد أن كان الأمر محظورًا طوال عقود في المملكة".
في هذا الصدد؛ لا بد من إلقاء الضوء على الجانب الخفي والجوهري للمشروع، وهو يعود لخطط سابقة، ومن أهمها خطة “أودد ينون" لإقامة "إسرائيل الكبرى".
لقد نشرت "خطة أودد ينون"، أول مرة في فبراير/ شباط 1982، تحت عنوان "استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات"، وترتكز خطة "ينون" على مفتاحين رئيسين، يتلخصان في أنه على "إسرائيل" أن تتحول إلى قوة إمبريالية، ويجب إعادة تقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة غير فعالة وغير قادرة على الوقوف في وجه الإمبريالية الإسرائيلية وتحطيم الدول المركزية؛ مستغلة عدم التجانس العرقي والديني والإثني في سائر الدول العربية. وفكرة تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة هي إحدى الأفكار التي طرحت، مرارًا وتكرارًا، في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، ووصفت دول الخليج في هذه المشروعات بأنها "قصور مبنية في الرمال"، حيث لا يوجد شيء يذكر سوى النفط. ووصفت دول الخليج أنها "دول تتحكّم فيها الأقليات بالأغلبية".
إلى ذلك؛ في تقسيم حديث للخرائط أوردته صحيفة نيويورك تايمز، قُسمت سوريا إلى 3 دويلات: إحداها للعلويين على الساحل، ودولة للسّنة في القلب، ودولة أكراد سوريا المرشحة للانضمام إلى أكراد العراق. أما العراق؛ فقد قسم للعراقيين السّنة في الشمال - تلتصق بدولة السّنة في سوريا مع دولة شيعية في الجنوب، ثم امتداد كردي مواز لأكراد سوريا., أما السعودية؛ فقد قسمت إلى خمس دول في الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط، بينما قسم اليمن إلى يمن شمالي ويمن جنوبي. وعلى الجانب الإفريقي، قسمت ليبيا على أساس قبلي إلى دولة في الشرق عاصمتها بنغازي، ودولة في الغرب وعاصمتها طرابلس، ودولة في الجنوب وعاصمتها سبها.
هذا؛ مع لحاظ استهداف سوريا والعراق وما يحدث بليبيا والسودان، السعودية ينبغي لها أن تأخذ على محمل الجد ما ورد بشأنها في خرائط التقسيم.