(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
كان لافتا أن معظم هواجس الدوائر الفكرية والاستراتيجية الأمريكية، بعد الهجوم الإيراني الأخير على "إسرائيل" في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، لم تكن متعلقة بالقلق على الكيان الإسرائيلي وحسب، بل تعلقت وبشكل مماثل بالقلق على التحالف الأمريكي مع دول الخليج، وخاصة فيما يتعلق بالدفاعات الجوية.
إذ تشكّل مبيعات الأسلحة لدول الخليج اهتمامًا أمريكيًا كبيرًا، وهو ما يكمن وراء سياسات الوقيعة بين دول الخليج والجار الإيراني، وكذلك الوقيعة مع حكومة صنعاء في اليمن، بهدف خلق عداء وهمي بين دول شقيقة مسلمة، للسماح بتمرير أسلحة وخاصة الدفاعات الجوية، والدعوة الدائمة لخلق مظلة دفاع جوي إقليمي.
هذا؛ وبعد اختراق الصواريخ الباليستية الإيرانية لمعظم الدفاعات الجوية الإسرائيلية ووصول عدد كبير من الصواريخ لأهدافها، خرجت مراكز الفكر والدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكية لتضع مسوّغات واهية وتدافع عن سمعة أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية، وخرجت لتدعو صراحة لطمأنة دول الخليج خشية لجوء هذه الدول إلى جهات أخرى؛ مثل روسيا، بسبب سمعة أنظمة الدفاعات الجوية الروسية الطيبة، وخشية التوافق بين دول الخليج والجار الإيراني والخروج من حال الخصومة التي تعمّقها أميركا.
لعلّ تقرير معهد واشنطن، والذي كتبه "مايكل نايتس" و"إليزابيث دينت" المديرة السابقة لشؤون الخليج وشبه الجزيرة العربية في البنتاغون، كان من أبرز التقارير المتعلقة بهذه الحال. إذ دعا التقرير صراحة إلى ضرورة طمأنة واشنطن للشركاء الخليجيين ومعالجة آثار الهجوم الإيراني الذي اخترق الدفاعات، والتركيز على الدور الأمريكي المساعد للكيان الإسرائيلي في الدفاع والصدّ هذه الصواريخ، بمساعدة من المدمرتين البحريتين الأمريكيتين "كول" و"بولكيلي".
كما قال التقرير إنّ هناك مخاوفَ أمريكية من أن ينظر الخليج للهجوم ونتائجه نظرة سلبية إزاء الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية، وتنعدم الثقة تاليًا في كفاءة أميركا في الدفاع عن حلفائها، وخاصة مع الفروق في الجبهة الداخلية بين "إسرائيل" ودول الخليج. فقد اعتاد الإسرائيليون على التعرّض للهجمات ننتيجة أجيال من الحروب والتدريبات على الدفاع المدني، بخلاف مجتمعات دول الخليج غير المحصّنة ضد الحرب، والحريصة على سمعة الأمن الداخلي والاستقرار، وحماية المنشآت بسبب الاعتماد الكبير على الاستثمار.
هذا؛ وأعاد التقرير التذكير بالهجمات بالطائرات المسيّرة وصواريخ كروز التي استهدفت مصافي "بقيق" و"خريص" في السعودية في أيلول/سبتمبر 2019، وأيضًا الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ التي أطلقها الحوثيون، وكذلك الفصائل العراقية على أبو ظبي في كانون الثاني/يناير-شباط/فبراير 2022. وإنّ نجاحات هذه الهجمات تتطلب مزيدًا من الثقة، والتي تشكّل بعضها في الحرب الراهنة بسبب صدّ عدد من الهجمات ضد "إسرائيل"، وهو ما أفسده الهجوم الايراني الأخير الذي أعاد اهتزاز الثقة مرة أخرى.
إلى ذلك؛ أعلن التقرير خشيته، علنًا، من التقارب بين دول الخليج وايران بسبب الخوف من الانتقام الإيراني ضد القواعد الأمريكية في دول الخليج لو اشتركت أميركا في الحرب علنًا مع "إسرائيل"، ليختم التقرير بإصدار توصيات صريحة ربما كان اللافت منها توصية تقول ما نصه:
"ينبغي على واشنطن و"إسرائيل" ودول الخليج النظر في البحث والتطوير المشترك لأنظمة دفاع أرخص تكلفة، وأكثر عددًا، ضد الصواريخ الباليستية بنطاقاتها جميعًا. وهناك حاجة ماسة إلى نسخة أرخص تكلفة من نظام "آرو"، وربما يكون ذلك مرتبطًا بنظام الاعتراض "سكاي سونيك" الذي تطوره شركة "رفائيل" الإسرائيلية".
هذه التوصية صريحة باتجاه التطبيع، كما أصدر التقرير توصية أخرى تقول: "يجب التأكيد أن الدبلوماسية الخليجية مع إيران والمبادرات الإقليمية بشأن الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل ليست متعارضة."
في هذا الصدد؛ نعلم جيدًا وبما لايدع مجالاً للشك أنّ أميركا ماضية في الوقيعة بين دول الخليج وإيران، وهي تبتزّ دول الخليج لزيادة مبيعات الأسلحة وفتح باب التطبيع مع الكيان في مجال الدفاعات الجوية. وهذا ما يوقع دول الخليج في خصومات ومخاطر هي في غنى عنه، وفي حروب ليست حروبها؛ بل حروب أميركا والكيان، وهو ما يعيد التساؤل مرة أخرى عن مفهوم الأمن القومي العربي عامة، والخليجي بشكل خاص.