خاص الموقع

نيوم عفريت المملكة

في 2024/11/17

(فؤاد السحيباني \ راصد الخليج)

فجأةً؛ عاد إلى واجهة الأحداث في المملكة مشروع "نيوم" سيء السّمعة ليملأ الأجواء، ويسيطر على المناقشات، بعد قرار بإبعاد المدير التنفيذي للمشروع الضخم "نظمي النصر" رئيس مجلس إدارة ما تُسمّى "شركة نيوم"، وخروج الشركة ببيان مقتضب يحمل طعم الهزيمة، بأنّ مجلس إدارة شركة نيوم قد أعلن، اليوم، عن تعيين المهندس أيمن المديفر رئيسًا تنفيذيًا مكلفًا للشركة، وذلك بعد مغادرة النصر لمنصبه".

البيان "الغريب" والمتأخر، في بلد العجائب، كشف عن بقاء هذا الرجل في منصبه لمدة 6 سنوات متتالية، كان يتمتع فيها بالثقة والمسؤولية لإدارة مشروع "نيوم" بأكمله. ليست المشكلة في عزله الآن، فهذا المنطقي والطبيعي، الكارثي إنّه استمر إلى اليوم، وهو أمر وسؤال لا بدّ أن يوجه إلى من أتى به ثم صرفه إلى حال سبيله؟!

أول من تناول مسألة التغييرات القيادية، في شركة إدارة مدينة "نيوم"، كانت هي شبكة رويترز، والتي أوردت خبرًا صريحًا عن عزل رئيس مجلس إدارتها نظمي النصر، وتعيين المهندس أيمن المديفر رئيسًا جديدًا لمجلس الإدارة. ولم تتوقف الشبكة الإخبارية عند ذلك؛ بل اتبعته بتقرير عن المديفر الذي كان يتولى موقعًا قياديًا في "شبكة نيوم" إذ كان رئيسًا لإدارة الاستثمارات العقارية المحلية في صندوق الاستثمارات العامة منذ العام 2018.. كل ما حدث ببساطة وبأيسر وصف هو استبدال اسم باسم، ولتستمر المحرقة المقدسة للثروات والموارد والفرص.

إذ حين حلّت مجموعة الخراب على المملكة لتمسك بمفاتيح الموارد والنفوذ والمشروعات، أعلنت عن مشروعات خيالية بشكل أكثر جنونًا من الخيال، مثلًا، أعلنت تلك المجموعة بالذات (الرئيس السابق والحالي) عن المحور الرئيس لمشروع نيوم وهو "ذا لاين"؛ وقالوا وقتها إنّه سيمتدّ إلى مسافة 170 كيلومترًا عبر الصحراء من خليج العقبة، وعند الكشف الرسمي عن تخطيط "ذا لاين" منذ عامين ونيف، أعلن أنه سيستضيف أكثر من مليون نسمة في العام 2030، وتسعة ملايين نسمة في العام 2045.

لكن الحقيقة جاءت بأسرع ممّا توقع الكل من واضعي تلك الخيالات البائسة، وعاد المخططون لتقليص وعودوهم –طبقًا لشبكة بلومبرغ- ليستهدف "ذا لاين" جذب 300 ألف نسمة و2.4 كيلومتر من المشروع سيتم الانتهاء من بنائه بحلول نهاية العقد، فقط لا أكثر ولا أقل.

لقد حلّت لحظة الانكشاف بالنسبة إلى مشروع "نيوم"؛ فإذ هو فشل جديد يُضاف إلى دفاتر الخيبة وأعباء الخسائر، حيث لم تكن ذرائع الذهاب إلى شمال غرب المملكة لإنشاء عالم جديد وحيًا جديدًا قد هبط فجأة، ولا التماع عقل بفكرة خلاقة، وإنما كان مجرد مغامرة حمقاء مورست بأقصى مدى من الاندفاع النزق.. وحين نفد وقود المخدر، توقفت الخطى حيث هي، لا تدري إلى أين وصلت بالضبط، ولا كيف تعود من هناك؟!

كان من الممكن والمنطقي للدولة أن تفكر بمنطق المستقبل في فرض متكرر، وبالتالي تملك جرأة الرؤية والخيال لحل هذه المعضلة، كل ما هو موجود في الأسواق السعودية مستورد، فهل ستظل المملكة أسيرة لتقلبات الأسعار العالمية وتتأثر سلبًا ودائمًا بكل نزاع أو تهديد، أم تملك هي شجاعة الإصرار على نقل الاقتصاد من النفط إلى الإنتاج والصناعة والزراعة، بما يشكله من معنى الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي، القادر على امتلاك قدرة المناعة والدفاع الذاتي أمام غول الشركات العالمية وحساباتها وأرباحها؟!

القضاء على أزمة التنمية بطريقة المنح هي أمر أشبه بإطعام تمساح شرس يوميًا، المساعدات ستزيد من الإنفاق الاستهلاكي، وسترفع تاليًا من منحنى الطلب ومع ثبات العرض، فإن الأسعار تلقائيًا سترتفع، الحل الناجع لهذه المشكلة في تحوّل الدولة إلى منظم ومشرف على اقتصاد إنتاجي واسع يسمح بمشاركة رواد الأعمال الشباب، والنماذج الملهمة والناجحة كثيرة، أهمها على الإطلاق برنامج "الرفيق الدائن" في البرازيل، بتحويل هذا الفرد المحتاج إلى فرد منتج، وهو حل جذري للأزمة، فهل من معتبر؟!!