(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
ما يزال السؤال عن تأثيرات المستجدات في سوريا على الأمن الخليجي مفتوحا، وخاصة بعد التغيرات الدراماتيكية وسرعة الأحداث وسرعة الإطاحة بالنظام السوري وردود أفعال تبدو متباينة ومرتبكة من معظم الأنظمة العربية ومن ضمنها الخليجية؛ وربما عكست قمة مجلس التعاون الخليجي الاخيرة، والتي تزامنت مع بداية التحركات العسكرية في سوريا، موقفًا غير متجانس بدلالة تجاهل البيان الختامي لحدث بهذا الحجم وبهذه الأبعاد الاستراتيجية على الأمن القومي العربي ككل.
لقد أرجعت الكثير من التحليلات هذا الصمت الخليجي إلى عدم وضوح الرؤية وإلى الخلافات أو التباينات الخليجية بخصوص مستقبل سوريا ونظام الحكم بها. إذ تكاد تكون قطر هي الدولة الوحيدة التي ترحب بسقوط النظام السوري، ولم تبدل موقفها منذ اندلاع الأحداث، بخلاف الإمارات والسعودية والبحرين مثلا، والتقارب مع النظام السوري في المرحلة الاخيرة.
لكن وبعد سقوط النظام، وجدنا اندفاعة قطرية متوقعة، على خلفية التنسيق القطري- التركي الدائم، وهو ما يعود إلى مصالح قطرية- تركية تتعلق بخط الغاز القطري- التركي. وهو أكبر أسباب اندلاع الأزمة، وكذلك الاحتضان المشترك لجماعات سياسية كونها ضامنة للنفوذ داخل سوريا وحامية للمصالح.
في هذا السيتق؛ هناك سيناريوهات متوقعة في سوريا تفرض على دول الخليج الأخرى عدة تساؤلات، نرى أهمها ما يلي:
1- ماذا إذا تناحرت الفصائل مجددًا، وهي تحمل داخلها بذور خلافاتها، بسبب تعدد الرعاة وتناقض مصالحهم بعد التقاطع على هدف مشترك يتمثل بإسقاط النظام وهو ما حدث، ثم ستبدأ مرحلة تقسيم الغنائم. فما هو موقف دول الخليج من الفوضى، وأي فصيل سيقومون بدعمه سياسيًا، وهل سيكون الهيئة التي كانت فرعًا من تنظيم القاعدة وغيّرت اسمها، أم سيكون الجيش الوطني الموالي علنًا لتركيا، أم سيكون ائتلافًا معارضًا ليس له تمثيل على الأرض؟
2- ماهو الموقف الخليجي العملي من استباحة "إسرائيل" لسوريا والتوغل في داخل أراضيها وتكريس احتلال دائم لكامل الجولان وإنهاء اتفاق فض الاشتباك وتدمير مقدرات واصول الجيش السوري، وهو ما يغيّر كامل المعادلة الاستراتيجية، ويسمح للجيش الصهيوني بالتمدد وهو ما يستتبعه تمدد سياسي واقتصادي يؤثر على مصالح واقتصاد وأمن الخليج.
هو ملف يستتبع سؤالاً مضافًا، وهو مصير التطبيع المزمع مع السعودية ومصير الاتفاقات "الإبراهيمية" وتطور التطبيع الفعلي مع الإمارات والبحرين.
3- ما هو الموقف الخليجي من شواهد التقسيم التي تطل برأسها بعد التناقض بين تركيا وأمريكا في ملف الأكراد، والموقف من "قسد"، وكذلك العبث الإسرائيلي في السويداء ومحاولات استمالة الدروز ووجود نذر تقسيم لدول كردية وعلوية درزية وسنية، وعلى أي أساس ستتعامل دول الخليج مع هذه المكونات؟
4- السؤال الأمني الرئيسي عن انتقال إشعاع ما حدث الى داخل الخليج في ظل وجود جماعات مماثلة تهدد دول الخليج، وقد تطمع في تكرار التجربة وخاصة مع وجود تقارير حقوقية تتحدث عن سجون الخليج وانتهاكات حقوق الانسان، والاستسلام الخليجي لمنطق الإطاحة بالنظام السوري بصفته ثورة حقوقية قد يكلفها الكثير من المصداقية، وقد يفتح أبواب جهنم على الدول الخليجية.
5- كيف سيوازن الخليج علاقاته وينوعها مع روسيا وأمريكا لو سيطرت الأخيرة على المنطقة، وبدأت في سياسة الإملاءات بعد خلل التوازن الراهن؟ وهل ستخضع دول الخليج لهذا التسلط الأمريكي، وهل باستطاعتها مقاومة الابتزاز وخاصة من إدارة ترامب القادمة، والتي تبجحت كثيرا بحمايتها لعروش الخليج وأنها بمثابة بقرة حلوب؟
كلها أسئلة وجودية لا بدّ من معالجتها خليجيًا وإعداد موقف واضح وقوي قبل فوات الآوان.