خاص الموقع

هل يورّط ترامب السعودية في صراعاته الخارجية؟

في 2025/01/30

(أحمد شوقي \ راصد الخليج) 

في 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن الكرملين أن المملكة العربية السعودية جمّدت انضمامها إلى مجموعة "البريكس" بصفة عضو كامل، بعد أن أعلنت المملكة أنّها ما تزال تدرس العرض المقدم لها من المجموعة، والتي قدمت دعوة للمملكة للانضمام في العام 2023. وهذا التجميد كان لافتًا، وهو ما بدا أن المملكة كانت تضع قدمًا داخل البريكس وقدمًا خارجها بانتظار معرفة من يكون الرئيس الجديد.

من المعلوم سياسيًا؛ أن ترامب وإدارته هي من النوع المعادي للتكتلات الاقتصادية الخارجة عن الهيمنة الأمريكية، فما بالنا لو كان تجمعًا منافسًا ومؤثرًا على المصالح الأمريكية حتى لو لم يعلن العداء لأميركا؟ ويعطي هذا التجميد السعودي مؤشرًا على أنها تفتح باب التعاون الكامل مع ترامب من دون استخدام "سياسة الاحتياط" التي اتبعتها مع إدارة بايدن، وهو ما يؤشر إلى تباعد أو على الأقل إلى إيقاف المسار التقاربي الذي اتبعته المملكة مع الشرق المتمثل بروسيا والصين.

لقد بدأ ترامب مبكرًا في مسار ابتزاز المملكة بالتلويح بأنّ زيارته الخارجية الأولى قد تكون للسعودية بدلاً من الجهات المعتادة في أن تكون أولها لبريطانيا. وهو ما فعله في ولايته الأولى؛ حين كسر هذا البروتوكول مقابل استثمارات سعودية ضخمة، وهذه المرة يريد ترامب رفع قيمة المبلغ لإعادة كسر البروتوكول.

لكن الغريب أن السعودية قابلت هذه الخطوة بمضاعفة المبلغ الذي طلبه ترامب؛ وهو سلوك اندفاعي كبير أزاء ترامب؛ ما أـثار سخطًا واستهجانًا من بعض الأوساط السعودية الشعبية. فقد استاء ناشطون سعوديون وأعربوا عن خضوع ولي العهد محمد بن سلمان سريعا لابتزاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فور عودته مجددٌا إلى البيت الأبيض.

لقد أعاد ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي استخدام عبارات تشير إلى استنزاف أميركا لثروات السعودية، والتي سبق أن استخدمها ترامب، خلال ولايته الأولى، تصريحًا وتلميحًا، ومنها "البقرة الحلوب".. وأجمعوا على أنه قد بدأ الحلب مبكرًا، ومن المعلوم أن "البقرة الحلوب" أصبح مصطلحًا سياسيًا أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال حملة انتخاباته لرئاسة أميركا، في العام 2016، على المملكة العربية السعودية تعبيرًا عن أخذه منها الأموال، وهي تدر ذهبًا ودولارات بحسب الطلب الأميركي.

هذا؛ وكان ترامب قد رد، خلال حديثه مع الصحفيين في المكتب البيضاوي في أثناء توقيعه على العديد من الأوامر التنفيذية في يوم تنصيبه، في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، عن سؤال حول وجهته الخارجية الأولى في ولايته الثانية رئيسًا للولايات المتحدة، موضحًا أن: "أول رحلة خارجية عادة ما تكون إلى المملكة المتحدة"، لكنه أشار إلى رحلته إلى المملكة السعودية في رئاسته الأولى، معقبًا بأنّ ذلك كان: "لأنهم وافقوا على شراء منتجات أميركية بقيمة 450 مليار دولار". وأضاف أنه قد يذهب مرة أخرى إلى السعودية إذا وعدوه بـ 500 مليار دولار هذه المرة، موضحًا أنه سيرفع الرقم بسبب التضخم، في تصريحات فهمت على أنها ابتزاز للسعودية لدفع المزيد من الأموال لاسترضاء القيادة الأميركية الجديدة.

يبدو أن السعودية قد حاولت مجاملة ترامب؛ فقامت برفع المبلغ أكثر من 500 مليون دولار، فقد صرح وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم بأن الحزمة الموسعة هي بقيمة 600 مليار دولار بين السعودية والولايات المتحدة وتشمل استثمارات ومشتريات من القطاعين العام والخاص. هذا الكرم السعودي جعل ترامب يطمع بأكثر من ذلك، فقال: "أبلغنا بأن السعودية ستستثمر ما لا يقل عن 600 مليار دولار في أمريكا. لكنني سأطلب من ولي العهد – وهو شخص رائع – أن يرفع الرقم إلى نحو تريليون دولار".

جاء ذلك بعد أن أعلن محمد بن سلمان، خلال اتصال مع ترامب، رغبة المملكة في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة في الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار، مرشحة للارتفاع، في حال أتيحت فرص إضافية.

هذا يعني أننا أمام مبلغ ضخم يعادل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وأمام نوع من أنواع احتكار الاستثمارات، وهو نوع من المجازفة الاقتصادية وخاصة مع شخص غير موثوق؛ مثل الرئيس الامريكي، والذي يعمل في إطار دولة امريكية عميقة لها سقوف في دفع الأثمان السياسية والاستراتيجية. وهذا ما يجب أن تنتبه إليه المملكة؛ حيث لن تستطيع أخذ كل ما تريده مقابل كل ما تدفعه.

كذلك؛ ما أثار استياء الكثيرين أن هذه الخطوات تتزامن مع خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في السعودية للعام 2025، متأثرًا بتخفيضات إنتاج أوبك+ غير المتوقعة، مع تعديل توقعات النمو للعام 2024 إلى 1.4%. ومنطقة الخليج تأثرت أيضًا بانخفاض إنتاج النفط، حيث خفض البنك الدولي توقعاته للنمو في المنطقة لعام 2025 إلى 3.3%.

كما كشف السفير ريتشارد شمايرر نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى لمحة عن العلاقات الأميركية-السعودية وآفاقها، خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب. فقد أوضح شمايرر أن الرئيس ترامب يُقدّر علاقته مع السعودية، فالأساس لهذه العلاقة حتى الآن كان اقتصاديًا. وبالنسبة إلى الدبلوماسية الأميركية، في الأشهر المقبلة، أوضح السفير أن تطورات الأوضاع في قطاع غزة وتعيين مستشارين جدد للرئيس الأميركي سيكون لهما تأثير على طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية.

أما عن التطبيع السعودي- الإسرائيلي، أوضح السفير شمايرر أن الرئيس ترامب سيستخدم نفوذه على السعوديين والإسرائيليين لتضييق الهوة بين موقفي "البلدين"، ما يسهم في تطبيع العلاقات بينهما، وهو ما قد يفتح الباب أمام حل "النزاع الفلسطيني". وأضاف أن السعودية ستستفيد من شراء بضائع أميركية بقيمة 500 مليار دولار، في مقابل توقيع اتفاقية أمنية بينها و"إسرائيل". وأضاف أن الولايات المتحدة ترغب أن تكون دول الخليج في جبهة موحدة ضد إيران، وأن الرئيس ترامب في ولايته الثانية يطمح إلى توسيع هذه العلاقات، حيث سيبحث عن طرق لجلب السعودية وقطر والكويت وسلطنة عمان إلى علاقات أكثر تطورًا، مقابل اعتدال أكبر في مواقف "إسرائيل"، وسيكون تاليًا هناك تقدم في "الاتفاقية الإبراهيمية" مع دول الخليج.

نحن إذًا امام حقبة جديدة من الابتزاز الأمريكي للسعودية؛ غير مقتصرة على احتكار الاستثمارات فقط، ولكن يبدو أنها ستكون على حساب التقارب مع الشرق، بما يحمله ذلك من محاذير اصطفاف سعودي صريح مع أميركا في صراعها الدولي والإقليمي، وهي إنذار لتوريط السعودية في صراعات حاولت تجنبها بعد مسار من الاحتياط والتقارب مع الشرق.