خاص الموقع

عربات جدعون واستدعاء التوراة للفتك بالمديانيين العرب الجدد

في 2025/05/26

(أحمد شوقي \ راصد الخليج) 

كما سوّغ الصهاينة، بمساعدة الاستعمار الغربي، جريمتهم التاريخية باحتلال فلسطين بمسوّغات دينية واهية، يسوّغ الكيان اليوم جرائم الإبادة والتطهير العرقي بمسميات دينية لعملية احتلال غزة وتنفيذ مخطط التهجير، باستدعاء توراتي باسم "عربات جدعون".

كما اختتم جرائمه قبيل النكبة بــــ"عملية جدعون"، والتي كانت آخر العمليات التي نفذتها منظمة "الهاغاناه" قبيل انتهاء الاحتلال البريطاني، بهدف الاستيلاء على مدينة بيسان وتطهير القرى والمخيمات البدوية المحيطة بها، إضافة إلى إغلاق أحد الممرات المحتملة لدخول قوات شرق الأردن، يحاول الكيان اليوم خلق نكبة جديدة بتهجير أهل غزة وبالمسمى نفسه المنسوب إلى "جدعون". إذ وافق رسميًا "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" على خطة "عربات جدعون" في السادس من أيار/مايو الحالي، بأهداف متنوعة مخادعة، ولكنها لا تخلو علنا من الهدف الحقيقي وهو احتلال غزة وطرد أهلها.

في الرواية التوراتية، من الإصحاح السادس من سفر القضاة، كان القاضي جدعون بن يوآش، وهو شخصية ملحمية من عشيرة أبيعزري في سبط منسي، يعيش في عفرا غرب نهر الأردن. وأصبح قائدًا لـــ"بني إسرائيل" باختيار "الرب" الذي أرسل له ملاكًا ليطمئنه ويطالبه بإنقاذ "بني إسرائيل" المختبئين في الكهوفمن المديانيين، فقادهم جدعون إلى نصرٍ تاريخي بعدد قليل يضم 300 فرد فقط، وباستخدام العربات ضد المديانيين العرب الذين كانوا يجيدون قيادة الجمال ويشتهرون بالسرعة والمباغتة والقوة.

في الرواية التوراتية؛ طلب "الرب" من جدعون تقليص عدد جيشه حتى ينسب النصر للرب، وليس لكثرة العدد. وهي إشارة للداخل الاسرائيلي الرافض للحرب وللجنود المتمردين، إذ يقول بنيامين نتنياهو إن من يحارب في هذه المعركة هم "المختارون من الرب".

اللافت أن هذه العملية "عربات جدعون" تضم ثلاث مراحل؛ تكاد تناقض ملامح الخطة المصرية وتسير في مسار عكسي لها. الخطة المصرية التي أقرها النظام الرسمي العربي احتوت ثلاث مراحل، تنتهي بوقف الحرب، بينما تنتهي خطة "عربات جدعون" بالاحتلال والتهجير!

على الورق، وعلى الرغم من أن "إسرائيل" لم تُحدد بالتفصيل ترتيباتها المفضلة لِما بعد الحرب في غزة، تبرز الخطة شروطًا مسبقة محددة لمرحلة "اليوم التالي"، وهي: القضاء على "حماس" والجهاد الإسلامي وفرض السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة، وقد أوضح نتنياهو أن ذلك سيتطلب احتلالًا مباشرًا؛ ونزع سلاح القطاع؛ ونقل السكان إلى جنوب غزة.

تنقسم الحملة إلى ثلاث مراحل:

1. التحضير والضغط الأولي: يتضمن تدمير البنية التحتية العسكرية والإدارية لـ"حماس"، بالإضافة إلى تجهيز جنوب غزة لاستيعاب المدنيين النازحين. وتتيح هذه المرحلة لـ"حماس" فرصة الإفراج التدريجي عن الرهائن بموجب إطار عمل اقترحه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف شرطًا مبدئيًا لوقف التصعيد.

2. نقل السكان: في هذه المرحلة، تهدف "إسرائيل" إلى إعادة تموضع المدنيين في غزة، داخل مناطق محددة في الجنوب الغربي، والتي "طهّرت"، مع فرز عناصر "حماس" وعزلهم.

3. المناورة البرية: هي المرحلة النهائية، وفيها تدخل القوات الإسرائيلية إلى المناطق التي "طهرت"، لتقضي على العناصر المتبقية من "حماس"، وتؤسس وجودًا عسكريًا طويل الأمد.

الملاحظ أن الخطة المصرية، والتي اتفق عليها النظام الرسمي العربي، تقوم أيضًا على ثلاث مراحل أساسية:

1. المرحلة الأولى: التعافي المبكر(6 أشهر)، تتضمن إزالة الركام وإصلاح البنية التحتية الأساسية وتوفير منازل متنقلة مؤقتة للنازحين، واستمرار تدفّق المساعدات الإنسانية.

2. المرحلة الثانية: إعادة الإعمار(3 إلى 5 سنوات)، تشمل عقد مؤتمر دولي لجمع التمويل اللازم لإعادة الإعمار، وتوفير دعم مالي يقدر بـ 20 مليار دولار من دول الخليج والدول العربية، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية الأساسية، تشمل الكهرباء والمياه والصرف الصحي.

3. المرحلة الثالثة: المسار السياسي(التمهيد لحل الدولتين)، والتي تتضمن إطلاق حوار سياسي لتعزيز حل الدولتين ودعم جهود تحقيق استقرار دائم وضمان حقوق الفلسطينيين.
الاستخفاف الصهيوني والتواطؤ الخليجي

ما حدث من مقابلة الكيان وراعيه الأمريكي للخطة المصرية العربية هو التجاهل والاستخفاف وتدشين خطة، وفقًا لمسار عكسي يقوم على تدمير البنية التحتية في مقابل التعافي المبكر، وعلى نقل السكان بدلًا من إعادة الإعمار، وعلى احتلال غزة وتهجير أهلها بدلًا من المسار السياسي وإعادة الفتات من الحق الفلسطيني. في حين توجهت أموال الخليج لدعم الخزينة الأمريكية التي تمول الحرب وتقودها بدلاً من اعادة الإعمار.

لماذا استخف الصهاينة بالعرب؟

في هذا الصدد؛ يبرز السؤال عن هذا الاستخفاف المهين؛ وهل هو فائض قوة؟

الجواب المباشر هو أن هذا الاستخفاف لا يعكس فائض قوة لكيان مأزوم ومنقسم، اجتماعيًا وسياسيًا، ولجيش يعاني أزمات التجنيد وتمرد وحداته، ولكن يعكس فائض ضعف وعجز وتواطؤ، ولأن الخطة التي تبناها العرب تهمّش المقاومة وتتعهد بخلو القطاع منها، وهي الإشارة التي التقطها الصهاينة والأمريكان بأنّ العرب لا يريدون المقاومة، وما يزالون في مسارهم منذ "كامب ديفيد" المفرّط بالقوة والمراهن على السلام الوهمي، وهو ما أغرى الكيان المنقسم وأميركا المأزومة للفتك بالمديانيين العرب الجدد على يد "جدعون" جديد.