خاص الموقع

دول الخليج في عين العاصفة الإقليمية

في 2025/06/16

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

على الرغم من "الطمأنينة" التي يتحدث بها المحللون السياسيون الخليجيون، وما يصاحبها من تضامن مصطنع مع إيران، وكثير من الادعاءات الفارغة  عن إدانة "إسرائيل"، وعلى الرغم من جنوحهم للتطبيع وعلنًا في كثير من الأوقات، إلا أن مؤسسات الأمن القومي الخليجية يجب أن تشعر بقلق حقيقي ووجودي وسط الحرب الراهنة، والتي تتخذ في الشكل أنها بين "إسرائيل" وإيران، بينما واقعها هو الحرب بين إيران وأميركا والمنطقة جميعها، ومنهم حلفاؤها في الخليج.

نقول ذلك بسبب تكريس ثقافة استعمارية في المنطقة حوّلت الصراع الرئيس بين العرب والصهيونية إلى مجاري فرعية من الصراعات بين العرب وايران. وكثفت هذه الثقافة الاستعمارية العداء، وجعلت بؤرته الرئيسة بين الخليج وإيران منعًا لوحدة الأمة في مواجهة الأطماع الاستعمارية.

هذا؛ وإن كانت ثقافة الوحدة الإسلامية والدعوات الطويلة التي تبناها كثيرون لم تؤتِ ثمارها المرجوة، طوال العقود الماضية، فإنّ المطروح حاليًا خطر وجودي يجب أن يعيد الدور الريادي لهذه الدعوات الوحدوية، ويدخل بها إلى نطاقات عملية عاجلة؛ لأن الأحداث تتسارع، والمخاطر أصبحت تدق أبواب كل نظام عربي، وأصبح الخليج تحديدًا في عين العاصفة.

على المستوى السياسي المعلن، تصرف مجلس التعاون الخليجي تصرفًا سليمًا موفقًا؛ عندما أدانت دول الخليج العربية الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، ووصفته: "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي" و"عدوانًا غاشمًا يهدّد أمن المنطقة واستقرارها". ولكن على المستوى العملي، هناك أوراق كثيرة للضغط على القائد الحقيقي لهذا العدوان، والمتمثل بأميركا، والتي لا تتورع عن توريط الخليج في هذا الصراع، عبر ممارساتها المستفزة لإيران وتلويحها بالمشاركة علنًا في الحرب. وهو ما سيجرّ دول الخليج المستضيفة للقواعد الأمريكية العسكرية إلى التورط، وتاليًا سيجعلها هدفًا مشروعًا للردود الإيرانية، وهو خطر كبير على الأمن القومي الخليجي بسبب أميركا وسلوكها. 

إذ لم تعد الأمور تقتصر على المخاطر التقليدية التي تطل برأسها عند كل حرب أو تتوتر اقليمي، والتي تتمثل بإغلاق مضيق هرمز شريان الطاقة العالمي وأحد أبرز النقاط الاستراتيجية والتجارية الحساسة في العالم.. ولا مسارعة الحكومات والمستثمرين وأسواق المال إلى تقويم الموقف ورسم سيناريوهات متشائمة للأوضاع والتطورات المحتملة، وتأثير ذلك في الاقتصاد الخليجي، ولا الملفات التقليدية المتعلقة بأسعار النفط، البورصات وأسواق المال، أوضاع العمالة الوافدة، تدفق الاستثمارات الخارجية، حركة التجارة الدولية... إنّما الأمور أصبحت أخطر من ذلك؛ وتدخل إلى نطاقات تمسّ الأصول الخليجية، وبدلاً من إعاقة الاقتصاد البديل الذي يحاول الخليج تنويع اقتصاده من خلاله، قد يتأثر الاقتصاد الريعي التقليدي بما يحدث.

كما يجب أن تتخوف دول الخليج من التأثيرات المتوقع حدوثها، في حال وقوع أي هجوم أو حادث أو استهداف للمنشآت النووية الإيرانية ووصول تأثيرها إلى مدنها وسكانها وبيئتها؛ كونها الأقرب من إيران.

نعلم أن هناك تنافسًا سياسيًا واقتصاديًا قد حرّف مساره إلى صراع بين دول الخليج ونظام الثورة الإسلامية، ولكن دعوات التقارب وتحسين العلاقات التي حدثت في المد الاخيرة تباطأت، مع أهميتها في كبح جماح "إسرائيل" وراعيها الأمريكي، وكان من الممكن أن تشكّل رادعًا لما وصلت إليه الأمور من حرب كبرى، تتسارع أحداثها وانزلاقاتها بوتيرة مرعبة.

المطلوب خليجيًا؛ ولحماية النفس والأمن القومي الخليجي، هو موقف حاسم من أميركا ومنع جميع الأبواق التي تسيطر على مواقع إعلامية ووسائل للتواصل الاجتماعي وتبدي ارتياحًا أو شماتة في الجار الإيراني؛ لأن هذا يغري أميركا بمزيد من توريط الخليج في الصراع والدفع نحو الهاوية.

لو هناك موقف حاسم رافض للحرب، ويوقف التطبيع والاندفاعة الاستثمارية الخليجية غير المسوّغة التي قُدمت هدية لترامب، فقد تتجه الأمور إلى التهدئة. أما وأن يظن أحد في الخليج أنه سيرتفع بسقوط إيران فهو وهم استراتيجي، لأن أميركا و"إسرائيل" لو انتصرتا على إيران ستدخل المنطقة في مرحلة الاستعباد الحقيقي، وبدلاً من الابتزاز ستدخل في مرحلة الإملاءات المهينة.

هي دعوة إلى ترجمة الموقف السياسي المعلن الموفق إلى إجراءات عملية وسياسية حقيقية، من منطلق الفهم الحقيقي للصراع بعيدًا عن المنطلقات الشخصية أو تصفية الحسابات.