في 2025/09/23
(هدى القشعمي/ راصد الخليج)
توفي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية تاركًا منصبًا تاريخيًا يجمع بين إرث المملكة الديني التقليدي وهويتها الوهابية. ومع وفاته، يبرز التساؤل عن آلية اختيار خلفه ومستقبل المنصب، في ظل توجهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورؤية المملكة 2030، والتي تهدف إلى تعزيز الإسلام الوسطي وتقليص النفوذ التقليدي للمؤسسات الدينية.
وفاة المفتي العام منعطف تاريخي
تمثل وفاة الشيخ عبد العزيز نقطة فاصلة، في المشهد الديني السعودي، إذ لطالما كان المفتي العام رمزًا دينيًا وسياسيًا في آن. وقد أدى دورًا مؤثرًا في صياغة الخطاب الشرعي والإشراف على تطبيقه في مجالات عدة: المرأة، التعليم، الترفيه وتنظيم الهيئة الدينية. ويفتح هذا الحدث الباب لإعادة التفكير في استمرارية الإرث الوهابي، ويتيح تعزيز الإسلام الوسطي المعتدل بما يتوافق والإصلاحات الاجتماعية والسياسية.
آلية التعيين
1. يُعيّن المفتي العام بأمر ملكي مباشر، وغالبًا ما يُختار من كبار العلماء، عادة من آل الشيخ أو من ذوي السمعة الدينية العالية.
2. تمتعه بمؤهلات العلم الشرعي الواسع والسمعة الأخلاقية والخبرة في الإفتاء والقدرة على مواكبة القضايا المعاصرة.
3. القرار النهائي يجمع بين المعايير التقليدية وتوجهات الدولة الحديثة، ما يجعل المنصب حساسًا واستراتيجيًا بعد وفاة الشيخ عبد العزيز.
جذور المنصب التاريخية
لقد كان المفتي العام المرجعية العليا للفتوى، وصوته مرجعًا في القضايا الشرعية والاجتماعية. وقد ضمن ارتباطه بأسرة آل الشيخ استمرار الإرث الوهابي، ما جعله رمزًا ذا سلطة واسعة تتوازى والسلطة السياسية. كما كانت شرعية المنصب الدينية تعتمد على تقوى المفتي وإتقانه الفقهي وفهمه للواقع الاجتماعي والسياسي، بالإضافة إلى علاقاته بالمجتمع والعلماء.
توجهات محمد بن سلمان وتأثيرها في المنصب
مع "رؤية 2030"؛ بدأ النفوذ التقليدي للمفتين يتراجع، وأصبحت الفتاوى أكثر توافقًا وسياسات الدولة، بعيدًا عن الهوية الوهابية الضيقة. كما عززت الدولة الهوية الوطنية والانفتاح العالمي، لتظهر السعودية دولةً معتدلة دينيًا، مع الحفاظ على مصداقية الفتوى أمام المجتمعين المحلي والدولي.
السيناريوهات المستقبلية للمفتي العام بعد الوفاة
استنادًا إلى المعطيات السابقة، يمكن تصور عدة سيناريوهات تشمل التحديات والفرص:
1. الاستمرارية الرمزية: تعيين مفتي من آل الشيخ حفاظًا على رمزية المنصب التاريخية، مع تقليص سلطة الفتوى التقليدية المواءمة والسياسات الحديثة.
2. التجديد الجزئي: اختيار رجل دين من خارج آل الشيخ لتجسيد "الإسلام الوسطي المعتدل"، مع إعادة صياغة دور المنصب بما يتوافق والانفتاح الاجتماعي والثقافي.
3. إعادة الهيكلة المؤسسية: دمج المنصب ضمن هيئة أكبر أو مؤسسات رسمية، لتصبح الفتاوى جزءًا من إدارة الدولة، مع فقدان بعض الاستقلالية التقليدية، ما يعكس إعادة ترتيب العلاقة بين السلطتين الدينية والسياسية.
التأثير في المجتمع والسياسة والإقليم
داخليًا: تغيير طبيعة الخطاب الديني لمواكبة التطورات الاجتماعية والثقافية، بما في ذلك حقوق المرأة والتعليم والترفيه.
سياسيًا: يقلل التوتر بين المؤسسة الدينية والدولة، ويعزز قدرة الدولة على فرض السياسات العامة.
إقليميًا ودوليًا: يعكس التغيير انفتاح السعودية وتبنيها للإسلام الوسطي، ما يقوي صورتها أمام الشركاء والمجتمع الدولي.
تمثل وفاة الشيخ عبد العزيز منعطفًا حاسمًا، إذ تفتح المجال أمام إعادة صياغة دور منصب المفتي العام بما يتوافق و"رؤية 2030". في الماضي، كان المنصب رمزًا للشرعية الدينية التقليدية وامتدادًا للوهابية، أما في المستقبل، فمن المرجح أن يتحول إلى وظيفة رسمية ضمن جهاز الدولة تخدم السياسات العامة، وتؤكد الخطاب الوسطي المعتدل.
قد يعكس هذا التحول إعادة ترتيب العلاقة بين الدين والسياسة في السعودية، ويعد اختبارًا حقيقيًا لمؤسسات الفتوى التقليدية في التكيف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية المعاصرة، مع الحفاظ على مصداقيتها والتزامها بتوجهات الدولة الحديثة.