في 2025/10/07
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تفطن دولة الإمارات إلى دور الدعاية والعلاقات العامة، فتعاقدت مع شركات علاقات عامة عالمية بهدف الحد من مخاوف أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية والسياح. وذلك بعد تعرضها لانتقادات في بعض التقارير الإعلامية، حين بدأت هذه الشركات بنشر مواد صحفية وإعلامية، في الصحف الكبرى، لنشر معلومات تروج للإمارات وتطمئن المستثمرين وتخدم مصالحها وسمعتها الدولية.
لكن، في الآونة الأخيرة، صدرت عدة تقارير دولية موجعة، فتأثرت كثيرًا سمعة الإمارات، وهو ما وصفه بعض الموالين لها بأنه نوع من الحملات الممنهجة، والتي يقف وراءها أعداء الإمارات، بينما الواقع يقول إنها منظمات دولية ومراكز بحثية عالمية تنتقد وتهاجم خصوم الإمارات أكثر من مهاجمتها، وهو ما يوحي بأنّ هناك مشكلات حقيقية في الدولة الإماراتية تتطلب الالتفات والمراجعة.
هذا؛ وقد شهد العام الحالي صدور عدة تقارير تمس سمعة الإمارات، بشكل خطير، ويمكن رصد بعضها في ما يلي:
1. تقرير منظمة العفو الدولية
صدر، في بدايات العام الحالي، تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2024، والذي كان ملخصه أن السلطات الإماراتية واصلت تجريمها لحق حرية التعبير والتجمع السلمي. وقد حاكمت 57 بنغاليًا تظاهروا سلميًا و78 مُعارِضًا إماراتيًا، في إطار محاكمات جماعية جائرة، انتهت بإصدار أحكام بإدانتهم وسجنهم لأوقات طويلة. كما قُوبِل التعبير عن تأييد القضية الفلسطينية بالقمع، وازداد إنتاج الوقود الأحفوري، وتضرر العمال الأجانب على نحو غير متناسب من تفشي مرض حمى الضنك الناجم من جراء الفيضانات.
2. تقرير مركز ستراسبورغ
أبرز تقرير، صدر حديثًا عن مركز ستراسبورغ للسياسات (SPC)، أن دولة الإمارات استثمرت مليارات الدولارات في قطاعات مختلفة في القارة الأفريقية، من البنية التحتية والطاقة إلى التعدين والعقارات، في ما بدا للوهلة الأولى وكأنه إسهام إيجابي في التنمية الاقتصادية للدول الأفريقية. غير أن هذه التدفقات المالية، بحسب تقرير SPC، كانت مصحوبة بمخاطر جسيمة تتعلق بـالفساد المستشري وغسل الأموال والتهرب الضريبي والتأثير السياسي غير المشروع. وأضاف التقرير، أنه وفي مقارنة صريحة بين سياسات التمويل الغربي وتلك الخليجية، أصبحت الإمارات الخيار المفضل للنخب الحاكمة في عدد من الدول الأفريقية، بسبب خلوّ عروضها الاستثمارية من الشروط السياسية المرتبطة بحقوق الإنسان والحوكمة الرشيدة.
لذلك كان أحد المحاور الأساسية في التقرير هو السرية المالية التي تتمتع بها إمارة دبي، والتي جعلتها ملاذًا آمنًا للأصول غير المشروعة. كما أن القطاع المالي في دبي أدى دورًا محوريًا في تسهيل غسل الثروات المنهوبة من أفريقيا، عبر بنوك غير خاضعة للرقابة الصارمة وشركات وهمية وسوق عقارات فاخر يعاني فجوات تنظيمية.
كما استند التقرير إلى معطيات وردت في تحقيقات عالمية، منها أوراق باندورا بعنوان "دبي المكشوفة"، وأظهر أن عشرات الشخصيات السياسية الأفريقية البارزة استخدمت النظام المصرفي الإماراتي لنقل الأموال وتبييضها، غالبًا من خلال شراء عقارات فاخرة في دبي وأبو ظبي. كما تناول تقرير SPC قضايا متعلقة بالتهريب الواسع للذهب الأفريقي عبر الإمارات، حين قال إن "أبو ظبي" باتت مركزًا رئيسًا في تجارة الذهب غير الرسمية، مستفيدة من ضعف الأنظمة الرقابية في دول مثل السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا.
3. المنظمة الإقليمية لإفريقيا في الاتحاد الدولي لنقابات العمال
مؤخرًا، جددت المنظمة الإقليمية لإفريقيا، في الاتحاد الدولي لنقابات العمال (CSI-Afrique)، تحذيرها الشديد من الوضع المأساوي الذي يواجهه آلاف العمال المهاجرين الأفارقة في دولة الإمارات. وطالب الاتحاد السلطات الإماراتية بالتحقيق الفوري في ما كشفه الوثائقي الأخير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بعنوان "الموت في دبي"، واتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الضحايا ومحاكمة المتورطين. واستعرض الوثائقي سلسلة من الحوادث الدالة على نماذج واضحة للاستدراج والاستغلال والاتجار بالبشر، لا سيما بجذب نساء أفريقيات إلى الإمارات بوعود عملٍ كاذبة، فتعرضن للاختطاف والاتجار ودخول شبكات الدعارة أو أعمال قسرية في ظروف مهينة وغير إنسانية. كما طالب الاتحاد السلطات الإماراتية بالتحقيق الفوري والمستقل، ومحاسبة كل من يثبت تورّطه في عمليات الاتجار أو الاستغلال، ومن ضمنهم أي مسؤول أو جهة قد تكون متواطئة.
بالإضافة إلى هذه التقارير الصادرة من جهات دولية وازنة؛ تصدر بين الحين والآخر تقارير صحفية في صحف دولية كبرى تعنون تقاريرها بمصطلح "الفضيحة". ومنها ما كشفته صحيفة الغارديان البريطانية وأسمتها "فضيحة جديدة" تهز أوساط السياسة الدولية، إذ أظهرت وثائق مسربة تقول بأن رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون قد مارس ضغوطًا سرية على مسؤول إماراتي رفيع المستوى ساعيًا وراء صفقة تجارية بقيمة مليار دولار، وذلك بعد أقل من عامين على خروجه من منصبه.
المراقب لرد الفعل الإماراتي يلاحظ تجاهلاً أو تعاليًا على هذه التقارير أو ربما صدور تقارير تروج للشفافية وحقوق الإنسان وعقد مؤتمرات دولية تنفق عليها أموال طائلة لتحسين سمعة الإمارات، بينما تظل هناك أوضاع حقيقية بحاجة إلى الإصلاح، وتتجدد تداعياتها بما يسيئ لسمعة الإمارات ويهدر جهودها وأموالها الباهظة التي تنفقها على الدعاية.
لكنّ الاصلاح الحقيقي أقل كلفة من الإنفاق على الدعايات وعلى وسائل التواصل واللجان الإلكترونية، كما أن الاصلاح يحفظ البلاد ويضمن استقرارها.