خاص الموقع

الذكاء الصناعي في دول الخليج بين الفرص والتحديات

في 2025/12/05

(أحمد شوقي / راصد الخليج)

الذكاء الصناعي هو العنوان الأبرز في الساحة العالمية، حاليًا، عندما يجري الحديث عن التقدم والفرص الواعدة في تطور المجالات المختلفة. كما يقع عنوان جدلي، أيضا، عند الحديث عن غياب الإبداع البشري والبطالة بسبب حلوله محل الوظائف البشرية، كما يتحدثون عنه بكونه عاملًا من عوامل زيادة الفجوة بين الدول الكبرى والنامية، أو حتى بين طبقات الجتمع في الدولة الواحدة.

في التعريف، الذكاء الصناعي هو فرع من علوم الحاسوب؛ يركز على تطوير أنظمة ومعدات وبرامج تحاكي القدرات الذهنية للبشر وبخصائص متعددة؛ تشمل التعلم والاستنتاج والتفكير ورد الفعل واتخاذ القرارات والإدراك، حتى في مواقف لم تتبرمج أو تدرّب عليها.

تتفق التقارير على أن الذكاء الصناعي يُعدّ أحد أهم الأولويات، في جداول أعمال السياسات العامة في معظم البلدان؛ حيث تركز مبادرات حكومية وطنية عديدة على استخدام تطبيقات الذكاء الصناعي من أجل التنمية والنمو الاقتصادي. كما يحتل رأس أولويات جداول أعمال المنظمات الدولية والإقليمية، ويُبشر الذكاء الصناعي بتغيير جذري في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم؛ فهو يساعد الإنسان في التنبؤ بالمستقبل واتخاذ القرارات بشكل أفضل، ومن المتوقَّع بحلول العام 2030 أن يضيف 15 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي.

تعمل دول مجلس التعاون الخليجي بجدية لوضع الأسس اللازمة لجعل الذكاء الصناعي ركيزة أساسية، وفقا لتقرير ماكنزي، فقد خصصت مليارات الدولارات لبناء بنى تحتية متطورة وإبرام شراكات تكنولوجية تدعم استخدامه.

من الأمثلة على ذلك؛ أعلنت مجموعة جي42 في "أبوظبي"، ذات الارتباط الاستراتيجي بالحكومة، سلسلة من الصفقات، وتقود مؤسسة هيومين السعودية إنشاء مراكز بيانات ضخمة للذكاء الصناعي، في حين تستثمر الحكومة القطرية في تطوير القدرات السحابية اللازمة لهذه التكنولوجيا.

في المقابل؛ يرصد التقرير أن تحقيق القيمة ما يزال مهمة صعبة، إذ لم تتمكّن مؤسسات كثيرة من إثبات جدوى استثماراتها في الذكاء الصناعي حتى الآن. كما يرصد التقرير أن القادة، في منطقة الخليج، يدعمون الذكاء الصناعي بقوة، إلا

أن إرادة القادة وحدها قد لا تكفي، فالاستخدام الواسع النطاق الذي يحقق أثرًا ملموسًا في الأرباح يعتمد على 3 عناصر أساسية، وهي:

1. استراتيجية ذكاء صناعي تقودها الشركات، وتركز على خلق القيمة وقدرات تنفيذية؛ مثل البنية التكنولوجية والمواهب البشرية وبرنامج إدارة تغيير يحفز اعتماد الذكاء الصناعي على نطاق واسع. 

2. تشير نتائج استبيان "واقع الذكاء الصناعي" إلى أن معظم مؤسسات دول الخليج تستخدم هذه التكنولوجيا بالفعل، لكن قلة منها فقط نجحت في التوسع باستخدامها وتحقيق قيمة ملموسة، في حين ما تزال الغالبية العظمى في مرحلة التجارب الأولية.

الفرص الواعدة للذكاء الصناعي في دول الخليج:

يتمتع الذكاء الصناعي بإمكانات اقتصادية هائلة، ويتوقع الخبراء أن يسهم بمبلغ 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول العام 2030 و320 مليار دولار في اقتصاد منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، على وجه الخصوص، أي بما يعادل 11% من الناتج المحلي الإجمالي.

في دول الخليج، ونظرا إلى أن نحو 70% من سكان دول مجلس التعاون الخليجي تقلّ أعمارهم عن 30 عامًا، فمن المرجح أن يكون الشباب أكثر انفتاحًا وراحة مع الحلول القائمة على الذكاء الصناعي، ما يخلق فرصًا لنماذج أعمال جديدة لشركات الذكاء الصناعي. ويعد توافر نسبة عظمى من سكان دول الخليج في عمر الشباب هو بمثابة نقطة قوة دافعة لحصول دول الخليج على مراتب متقدمة في عالم الذكاء الصناعي.

من جانب؛ تواجه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها. ويأتي في مقدمتها تحديان رئيسيان: الأول هو تحدي الإنفاق على البحث والتطوير، إذ تُظهر أحدث البيانات المتاحة من البنك الدولي أنه لا يوجد نسبة في دول مجلس التعاون الخليجي عن إنفاق على البحث والتطوير من ضمن الناتج المحلي الإجمالي، والذي لا يتجاوز 0.7%.

التحدي الثاني، يتمثل بالمستوى الحالي للمهارات الرقمية لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، فهو غير كافٍ لتلبية الحاجة إلى تطوير وتنفيذ مشاريع الذكاء الصناعي. وفقًا لدراسة أجرتها الشركة الاستشارية Strategy & Middle East وLinkedIn وُجِد أن هناك نقصًا حادًّا في المهارات الرقمية، مثل: التحليل الإحصائي واستخراج البيانات وتصميم الخوارزميات في المنطقة.

التحديات العامة للذكاء الصناعي 

على الرغم من الفوائد والفرص الواعدة في الذكاء الصناعي والتوسع به، إلّا أن هناك مخاطر وتحديات عامة، أجملها الباحثون بشكل مختصر في العناوين الآتية:

1. التأثير في سوق العمل، حيث ظهرت البطالة بكثرة بعد أن حلّ الذكاء الصناعي وبرامجه محل البشر في كثير من الوظائف الرقمية، مثل الكتابة وتعديل الصور وكتابة البيانات وغيرها من الوظائف الأخرى.

2. زيادة تكاليف الإنتاج؛ حيث تحتاج البرامج والأجهزة إلى تطوير مستمر وصيانة دورية مكلفة.

3. تراجع الإبداع البشري، حيث يتسبب الذكاء الصناعي في ضعف المهارات البشرية بسبب الاعتماد المفرط على التكنولوجيا؛ ما يجعل الإنسان أكثر كسلًا بعد أن أوكل كثيرصا من الأعمال إلى الروبوتات.

4. المخاطر الأخلاقية، إذ يحتاج  الذكاء الصناعي إلى جمع كثير من البيانات والمعلومات الشخصية، ما يؤدي إلى انتهاك الخصوصية مع احتمالية استخدام هذه المعلومات الشخصية بطريقة غير أخلاقية ضد الأشخاص.

5. مخاطر على الأمن القومي، إذ يمكن استخدام الذكاء الصناعي في شن هجمات إلكترونية واختراق المعلومات السرية؛ وهذا ما يعرف بــ"القرصنة السيبرانية".

في هذا الصدد؛ توجد حاجة ماسة إلى صياغة استراتيجية توازن بين الفرص  والتحديات؛ حتى لا ينقلب السحر على الساحر، خاصة وأن أصحاب تطوير برامج الذكاء الصناعي يحتفظون لأنفسهم بأسراره وجوهره، ويبيعون للبلدان الأخرى مظاهره.