جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج
ما ان اعلنت وزارة الداخلية عن تنفيذ حكم الاعدام، حرابة لبعض وتعزيراً لاخرين، ومن ضمنهم الشيخ «نمر باقر النمر»، حتى عمدت بعض المواقع الاعلامية والدينية الى الترويج عن التهم التي «أُدين» بها الشيخ النمر. محور هذه التحركات كان الموقع التابع لجمعية السكينة، حيث ذكر الموقع انه رصد عشرين كلمة «للشيخ» تحرّض على الارهاب. سارعت للاستماع الى هذه المادة «الدسمة» التي ستكون حجة قاطعة لكل من تسول له نفسه ان يدافع عن «الشيخ الارهابي». استمعت الى مقطع تلو مقطع، وخطبة تلو خطبة، وان عاب بعض ما نشر انه مبتور عن سياقه لا يصح اخذه كدليل في محاججة فكرية فما بالك في محكمة جنائية. وبعد استماع متكرر، عبثا حاولت ان اجد كلمة واحدة يدعو فيها هذا«الشيخ الارهابي» الى العنف والقتل، الى حمل السلاح ومحاربة الدولة. لم اسمع في هذه «الادلة» الا الاصرار على ان «الشيخ الارهابي» لن يتوقف عن «الكفاح السلمي» في سبيل الحصول على «الحقوق» ورفع «الحرمان» عن فئة مهمشة في المجتمع. فأين هي الادلة يا حضرات السادة القضاة وغير القضاة؟ الى أي مرحلة وصل اليها قضاؤنا الشرعي؟
دعونا من هذا التفصيل، بعض الادلة يقوم على أن «الشيخ الارهابي» قد رفض مبايعة «ولي الامر» او قد نزع بيعته من عنقه، وانه لا يعترف بشرعية هذا النظام. حسن، بغض النظر عن مشروعية ان تكون هذه التهمة تستحق الاعدام، فهل ان «امراءنا العظام» كلهم يعتقدون بشرعية ما جرى منذ ان تولى ملك البلاد سلمان بن عبد العزيز الحكم؟ الم يطعن الكثير من الامراء بصحة ما جرى في هيئة البيعة بعد الاطاحة بولاة العهد السابقين والاتيان بولاة العهد الحاليين؟
وبعيدا عن الاسماء التي باتت معروفة، الم «يهرب» البعض خارج البلاد ووُضع اخرون قيد الاقامة الجبرية؟ وبعض من هرب من البلاد الم يعد بعد ان بدأ الحديث عن تسوية ما تتم في الخفاء؟ فما بال القضاء يعدم اناسا بتهمة عدم البيعة ويقرب آخرين؟ ام لانهم من الامراء والسلاطين الذين يحق لهم ما لا يحق لغيرهم؟
ولكن، دعونا أيضا من الأدلة، فان ليس كل من أُعدم في تلك الليلة على حد سواء، فان منهم من تلوثت يداه بالقتل والعمل الارهابي، ومنهم من «تلوث» لسانه بشكوى من ظلم يطلب رفعه، فهل يستوي هؤلاء؟. لكن ماذا عن التوقيت الذي تم فيه الاعدام؟ صحيح ان القصاص من سنن الحياة وان فيها حياة لمن وقع عليه ولغيره، لكن ما اثار الانتباه ان هذه العملية جاءت في اوج الاشتعال الطائفي في المنطقة، وفي أوج التنافس الخفي بين «المحمدين»، أما آن لملكنا المفدى أن يوقف هذا التنافس المحموم بين «الاميرين» العابثين بمصير بلادنا وأمتنا؟ أما آن لملكنا وولي أمرنا أن يُظهر الحزم الحقيقي؟ فانه الاولى باظهار الحزم كما أنه الاولى باظهار الرحمة والرأفة والمحبة والتسامح. وعلى سيرة التسامح ما بال قضائنا يتساهل مع الارهاببين الذي يقاتلون في صفوف جماعات الفكر الضال في سوريا والعراق وتقتصر احكامهم على بضع سنين، فهل يثق هذا القضاء بان هؤلاء لن يعبثوا بأمن بلدنا وبارواح المواطنين بعد انقضاء محكومياتهم؟ أم يثقون ان عمل المناصحة كفيل بهدايتهم الى سواء السبيل؟ ان كان الامر كذلك فان في رقبة هذا القضاء والمسؤولين عن المناصحة دماء، حيث ان معظم من قام بالاعمال الارهابية ضد مساجدنا وابنائنا من رجال الامن وضد بعض اخواننا واشقائنا العرب هم ممن تخرجوا من المناصحة، او ممن خرجوا من السجن بعد انقضاء فترة عقوبتهم؟ اليس هذا الاستخاف في التعامل معهم ادى لاراقة دماء بريئة، كادت ان تطيح بأمن الوطن والمواطن؟ ففي رقبة من هذا الدماء التي سقطت؟
دعونا ايضا من هذه الاحكام، الم يشهد التاريخ القريب احكاما بالعفو بحق بعض الاجانب الذي ادينوا باعمال ارهابية؟ كالعفو الذي صدر عام 1424ه ضد بريطانيين متهمين باعمال ارهابية؟ فمن هو الاحق بالعفو يا صاحب ولي الامر: أهو البريطاني ام المواطن السعودي الذي ليس في رقبته دماء وتقتصر تهمته على الدعوة للاصلاح؟
الم يكن من الحكمة ان لا يعدم الشيخ النمر وغيره، حتى لا يقال اننا نختزل المشكلة به، ممن تقتصر تهمهم على الاعتراض القولي؟ كان بالامكان الاكتفاء بالسجن لبضع سنين كما يُفعل مع غيرهم ممن يحمل فكرا ضالا بحسب التوصيف المعتمد في مملكتنا، او بالسجن المؤبد كاقصى عقوبة، وذلك من شأنه ان يشعر الفئة التي تعتبر نفسها مهمشة ممن كان الشيخ النمر يقول انه يدافع عن حقوقه. اليس اعدامه هو تثبيت وترسيخ لمقولتهم وشعورهم بالظلم ؟
ان اعلامنا الوطني العظيم لم يستيقظ ويلتفت الى ان ثمة «شيعة عرباً» سعوديين وغير سعوديين، الا منذ ايام فقط، وكأن في الامر خديعة ما، حيث التزامن المريب بين الهبّة الاعلامية لمخاطبة «شيعة المملكة» وبين اعدام «شيخهم»، كأن الدولة كانت تمهد للاعدام بهذا النوع من الخطابات التي تريد تنفيس او تحجيم اية ردة فعل. اذ يمكن لأي متابع ان يلاحظ حجم المقالات التي كُتبت مخاطبة «شيعة المملكة» قبل اسبوعين من الاعدام، ولعل الاستاذ الذي اجل واحترم، قينان الغامدي، يجيب عن هذا السؤال فانه وحده قد كتب مرتين خلال عشرة ايام فقط.
وفي الختام فانني اعلن انني لست ممن يقبض من المجوس، ولست من التابعين او من ابواق نصر الله، كما يحلو للبعض ان يتهم في مثل هذه الحالات. فان كانت عقولنا لا تتسع لرأي أخر ولانتقاد بناء، فحري بنا عندها أن لا نزعم اننا نريد الاصلاح والتطور وبناء الانسان.