جاسر الدخيل – خاص راصد الخليج-
بين قائل بان السبب هو العجز العقلي أو«الزهايمر الملكي»، وقائل انه تراجع للسماح لولده ببسط نفوذه والانخراط اكثر في الحكم لاكتساب الصداقات والخبرات، فبغض النظر عن اسباب عدم ظهور الملك السعودي كصاحب للقرارات المتخذة في المملكة ، فقد بات من المؤكد لدى معظم السعوديين ان الملك سلمان بن عبد العزيز ليس الحاكم الفعلي للبلاد.
نسبة لا بأس بها بدأت تتعايش مع واقع قالوا انه قادم، وان الملك المقبل هو محمد بن سلمان لا محمد بن نايف، وذلك بسبب قيام بن سلمان ببسط سلطته على الكثير من المفاصل الحيوية في البلاد، حتى ان الكثير من الامراء بدأو يجرون اتصالاتهم به عند الحاجة الى خدمات او تسهيل معاملات. وهو من جهته لا «يبخل» بتقديم المساعدة والمعونة.
خلال هذا الشهر فقط، جعل محمد بن سلمان ما يزيد عن اربعين مشروعا (مناقصة) ترسو على مقربين منه، منها ما يتعلق ببناء بعض المشاريع العمرانية ومنها مناقصات بسلع محددة لصالح الدولة، اضافة الى تقديم تسهيلات في بعض التخمينات العقارية.
وفي المقابل، ينظر هؤلاء الى بن نايف على اساس انه رجل امن فقط، ولا يصلح لان يكون رجل دولة. وان اكثر ما يتغنى به ابن نايف هو تاريخه في محاربة الارهاب، وانشاء مركز المناصحة، فيما يعتبر الامراء ان قيادة الدولة تحتاج الى اكثر من ذلك على مستوى المزايا الشخصية القيادية. وبالعموم فان الامراء يعتبرون ان الاصلح للقيادة هو الاكثر انفاقا عليهم، وبعبارة اخرى هو الاكثر «كرما» وفي هذه النقطة تحديدا تبدو الفروقات شاسعة بين بن نايف وبن سلمان، حيث الاول يتهم بانه «بخيل» و«متكبر» فيما الثاني «كريم» و«متواضع».
وما بين تواضع وتكبر، وكرم وبخل، يدفع الامراء لتحقيق صيتهم من جيوب الفقراء. يظهر الكرم، وتظهر الهبات في مواسم الامطار سيولا وفيضانات بسبب سوء الادارة وفساد المناقصات. وحيث ان المتعهد متنفذ، يرتبط بملك او أمير فلا حسيب ولا رقيب ولا مساءلة.
ورغم كل هذه الاجواء، يبدو السؤال الاكثر الحاحا هو في مقدرة بن سلمان على الوصول الى هذه المرتبة من النفوذ بمدة قصيرة جدا، حيث استطاع سحب البساط بشكل لافت من تحت ارجل بن نايف، واكتساب مودة الكبار. فيما تراجع نفوذ بن نايف رغم اقدميته في العمل السياسي!!
يحلو للبعض ان يرجع السبب في كون بن سلمان قد استفاد من شركات اميركية متخصصة في القيادة، وجعل حوله مجموعة منها كمستشارين، فيما يعتمد بن نايف على نفسه وعلى مجموعة من المستشارين «التقليديين». بل ان البعض نصح بن نايف باجراء تغييرات جذرية بالطاقم المحيط به، ملمحا الى امكانية وجود «اختراقات» داخل هذا الصف، ممن يشير الى بن نايف بافكار ومقترحات تصب في النهاية بمصلحة بن سلمان. هم يتحدثون اذن عن «عملاء» و«اذان» لبن سلمان داخل المجموعة الاستشارية لبن نايف. الا ان هذه التلميحات لم تجد أذانا صاغية عند بن نايف.
ورغم هذا النفوذ الكبير المتنامي لبن سلمان، تبقى الحلقة الاضعف له هي في هيئة البيعة، والتي حتى الآن لم يستطع اقناع اغلبيتها باجراء التعديلات الممهدة لاعتلائه الملك. اذ لا ينبغي ان يغيب عن البال ان جزءا من هذه الهيئة لم توافق اصلا عليه وعلى ابن نايف لولايات العهد، بل كانت تفضل الامير مقرن، وان الامر ينبغي ان يبقى في ابناء عبد العزيز طالما ان هناك منهم من هو قادر على تولي هذه المسؤولية قبل نقل الملك الى الابناء، فكيف يمكن اقناع هذه المجموعة من هيئة البيعة بتجاوز بن نايف وايصال الامر الى بن سلمان؟؟!!
قد تبدو هيئة البيعة هي الورقة الاقوى التي يمتلكها ابن نايف، والتي يمكن ان تبرر هذا الهدوء الذي يظهره في التعامل مع توسعات بن سلمان. فبن نايف يعتبر انه دون اصوات هيئة البيعة فان كل الاموال التي ينفقها بن سلمان لن تنفعه بشيء، وان موت الملك سلمان قبل اجراء التعديلات ونقل الحكم لن يفيد بن سلمان بشيء وستتحول كل التقديمات الى ما يشبه «الاستثمار» في مشروع تجاري خاسر. وان وصول بن نايف الى سدة الحكم في حال مات الملك يمكن ان يغير بالكثير من الاوراق، وان من يدعم الان بن سلمان سيسارع للتبري منه حرصا على الحصول على مكتسبات، والحصول على قطعة من «الكيك» الملكي. وعندها، ليس فقط ان كل احلامهم ستتبخر، بل يمكن ان يتبخر «اميرهم» بن سلمان الذي ربما سيستيقظ يوما ويجد انه لم يعد وليا للعهد فضلا عن ان يكون وليا لولي العهد.