جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج
مرة جديدة يضرب الارهاب في المملكة العربية السعودية، حيث قام انتحاري بتفجير نفسه بين المصلين في مسجد الرضا في حي المحاسن في الاحساء. مخلفا وراءه شهداء وجرحى.
ومرة جديدة يسارع الاعلام «الوطني» لادانة الجريمة، ويرفع لواء الوحدة الوطنية، محملا المسؤولية لمجرم منحرف، او لمريض نفسي، او لفكر ضال عن جادة الحق والصواب، بل ذهب البعض ، كعادته، لتحميل ايران المسؤولية، والفئة الاخيرة مستعدة ان تذهب ابعد من ذلك بكثير في ابتكار المسؤولين عن هذا الارهاب طالما انه يبتعد عن الحقيقة وعن المسؤولين الحقيقيين الذين يقفون خلفه وامامه وعن يمينه وعن شماله.
وحتى بعض الاصوات التي ارتفعت وتحدثت عن «الداخل» ومسؤوليته عن الارهاب، لم تصرح عن المقصود بهذا الداخل، تركته ضبابيا مجهولا ليحمله كل انسان على ما يريده ومن يريده.
ان ما يحصل من ارهاب في «دولتنا» الكريمة يضرب المواطن، وما يحصل في اعلامنا من «استحمار» و«استغباء» للمواطن، كل ذلك ينبغي ان يتوقف، لانه شريك على طريقته الخاصة في هذه الجرائم. فالجريمة لا تنطبق فقط على من يمارس القتل الجسدي، بل ايضا على من يمارس قتل العقول، فيستخف بها ويُجهّلها ويُعمي عليها، فيطمس الحقائق ويزرع مكانها الاوهام، فيجعل غير العدو عدوا، ويسعى لتصوير العدو صديقا. فاذا وقعت الواقعة، تنصل من مسؤولياته والقى باللائمة على كل احد، اي احد، الا على نفسه وعلى المسؤولين الحقيقيين. وفوق كل ذلك، يأتي مزايدا على الآخرين بالوطنية، فينشر التحقيقات عن التلاحم الوطني، كيف ان اهل الاحساء تمسكوا بالوطن كملاذ اخير لهم وانه خيار نهائي، وكيف ان مسقط راس المجرم والارهابي جاء يعزي ابناء وطنهم في الاحساء.
ان هذا المشهد لهو معيب ومخزي، فالمواطن الحقيقي والمخلص، اعني من تعتبرونهم كذلك، لا يحتاجون منكم كل هذا المدح، وهذه الشهادات بالوطنية. ولولا انكم تعمدون على التحريض هنا وهناك، وتحاولون تصوير اهل الاحساء واهل القديح وباقي المناطق الشرقية على مدار السنة على انهم «غرباء» لهم دينهم ولكم دينكم، لما احتجتم الى كل هذا الكم الهائل من محاولات اظهار وطنيتهم بعد كل عمل ارهابي. فانتم ايها الاعلام التحريضي، يا اهل (صحيفة) عكاظ والمدينة والوطن والرياض، مسؤولون مسؤولية كبيرة عن هذا الارهاب الذي يضرب الوطن، مسؤولون طالما انكم تكتبون برؤوس طائفية حاقدة، مسؤولون طالما انكم تصنفون المواطنين وفق الطائفة والمذهب، مسؤولون طالما تعتبرون انفسكم الجهة المخولة باعطاء شهادة «الوطنية» وتعفون انفسكم، مع انكم احق الناس الذين يحتاجون الى اختبار دم بالوطنية.
وليس الاعلام وحده المسؤول عن هذه الجرائم بالطبع، بل تلك المؤسسة الدينية، من رأسها الى اسفل قدميها، فمفتيها يخرج مستنكرا الجريمة، يعتبرها ارهابا، يندد، يشجب، يستنكر، يفتي بحرمة الدماء في بيان بعد التفجير، فيما يترك العنان لخطباء المنابر، لا سيما خطباء المساجد( الحرم المكي وغيره) يلعنون ويكفرون، يتهمون بالضلال والابتداع من يشاؤون، وما تبدع به قريحتهم، فينادون يصوتهم العالي المعروف : «ان تلك الفئة والطائفة من الناس ليسوا بمسلمين، ولا نجتمع معهم على شيء، فلا وحدة ولا سلام بيننا وبينهم»، فاذا ما اقدم احد المجرمين على التقيد بمقتضى تعليماته وتوجيهاته، فقتل وفجر، اتُهم بالضلال، واقتيد الى الاعتقال والمحاكمة، مع ان مقتضى العدالة ان يقتاد الفاعل والمحرض. لكن العدالة في وطننا ربما تقتص من المجرم المباشر، لكنها دائما تبتعد عن المحرض لانه اكبر من ان يحاسب، واعظم من ان يدان، واقدس من ان يتهم، وان محاسبته وادانته واتهامه سوف تؤدي الى سقوط الهيكل على رؤوسهم، وستظهر للجميع اننا كنا نعيش في كذبة كبيرة تسمى «الوطن»، فيما هو عبارة عن تجمع سكاني مؤلف من امراء وعبيد، تجار ورقيق، فلا تجري العدالة على الامراء والتجار، لان المجرم ينبغي دائما ان يكون من طبقة العبيد والرقيق. لكن المشكلة الاكبر ان هذه الطبقات ( العبيد والرقيق) قد صدقوا اكاذيب «السيد» بان ثمة فروقات بينهم انفسهم : صدقوا اولا انهم عبيد، ثم صدقوا ثانيا ان بين العبيد فروقات وفق اللون والعرق، ثم صدقوا ان ثمة فروقات وفق الدين، ثم وفق المذهب والطائفة. وسيأتي يوم يقولون لهم فيه ان ثمة فروقات ايضا تبعا للامير الذي تدين بالولاء له، فشرف «العبد» ورفعة عبوديته تكون تبعا للامير الذي يبايعه.
كفانا بحثا عن المسؤول عن الارهاب خارج «الوطن»، فالمسؤول موجود بيننا، وهو اول المستنكرين للجريمة. وكما يقولون : يقتل القتيل ثم يمشي بجنازته.