خليل حرب - السفير اللبنانبة-
«أرامكو»، بيضة القبان، والمغامرة السعودية الجديدة من أجل البقاء. المجازفة بأعز ما تملك المملكة تاريخياً، لأن المرحلة، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً وأمنيا، لم تعد تحتمل الاستمرار بما تسير عليه مملكة القلق.
الأمير محمد بن سلمان، وهو ملك فعلي بلا عرش حتى الآن، يخوض الرهان المؤلم، معززاً بموقعه كولي لولي العهد، ورئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، في محاولة إنقاذ المملكة «المدمنة نفطياً»، وسط حرائق الإقليم، وتبدل معادلة «الأمن مقابل النفط» التي حكمت العلاقة مع الولايات المتحدة لنحو 70 سنة، وتنامي التحديات الشعبية داخل المملكة، وصراعات النفوذ والسلطة والمال بين أمراء الجيل الثاني والثالث.
محمد بن سلمان يدخل أكثر المحظورات السعودية خطورة: الاقتطاع من «أرامكو» لأن البدائل لم تعد مبشرة، والمستقبل مجهول. بن سلمان، وهو أيضاً وزير الدفاع في حكم والده، يخرج الآن ليقول للسعوديين إن ما كان لم يعد ممكناً، وإن الماضي، لم يقد بلادهم سوى إلى ما هي عليه من خطر.
لم يقل بن سلمان «فشلنا» حرفياً. لكن ما قاله في ما سُمي «رؤية السعودية 2030» التي أقرها مجلس الوزراء السعودي سريعاً بالأمس، يدق ناقوس الخطر من أن الأوضاع السعودية لم تعد تحتمل. هي مجرد «أحلام» قال بعض المحللين المتابعين. قال آخرون إنها «مغامرة كبرى». وأشار آخرون إلى أنها «طموحة» وربما تفتقر إلى إمكانية الواقعية، وأن الاختبار الحقيقي لها سيكون في التطبيق.. الذي لن يكون سهلاً، لا في القطاع النفطي، شريان حياة المملكة وآل سعود، ولا في السياحة التي تتطلب تغييراً جذرياً في المفاهيم والقوانين، ولا في الجانب الصناعي الذي يتطلب تراكم مهارات وكفاءات تحتاج سنوات طويلة، ولا في الجانب الاجتماعي الذي يحتاج إلى نظم تفكير وعمل وتعليم تنسف الكثير مما هو قائم من المراكز والمؤسسات الدينية المتشددة وصولاً إلى المدارس والجامعات، وتسمح في ما قد تسمح به، بقيادة المرأة للسيارة والتي يبدو أن انتظارها سيكون طويلاً.
الأهم من كل ذلك، أن «نظام الرفاهية» الذي اعتاد عليه السعوديون، وحَكَم علاقتهم تاريخياً بمراكز السلطة والحكم وفق قاعدة «الرفاهية مقابل الولاء والطاعة»، ربما لن يظل ممكناً قريباً.
هي إذن، مقامرة سعودية أخيرة، باسم الحياة، وحسم صراعات الحكم، ووجهة المملكة في الأعوام المقبلة، تضاف كلها إلى سلسلة المغامرات الأخيرة، خصوصاً في عهد الملك سلمان، من إحكام القبضة على مفاصل الدولة والسلطة بالتخلص، قدر الإمكان، من إرث الملك الراحل عبدالله، وكسر تراتبيات الصعود إلى العرش بترفيع الإبن محمد بن سلمان، وإبعاد الأمير مقرن، وما يبدو تهميشاً لدور ولي العهد الأول محمد بن نايف، ثم تمكين «ابن الملك» من القيادة العسكرية العليا عبر وزارة الدفاع، ثم تنصيبه رئيساً على مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والسيطرة على قيادة «أرامكو»، وصولاً إلى خوض غمار الحرب العبثية في اليمن، والدخول في مواجهة مع إيران، وتصعيد العبث في الداخل السوري، وإعلان «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب»، والأهم، وربما الأكثر خطورة، الاصطدام بمصالح «الحليف الأول» الأميركي، ووصول العلاقة معه إلى مرحلة الابتزاز الصريح وخصوصاً من خلال التلويح الأميركي بملف «هجمات 11 أيلول» ضد الرياض.
وكان من الطبيعي أن يخرج محمد بن سلمان على السعوديين عبر قناة «العربية»، بعيد إقرار مجلس الوزراء «رؤية السعودية 2030» التي طرحها، ليدافع عنها، وهو المدرك للمحاذير التي تتضمنها، خصوصاً ربما على الصعيد الشعبي، غداة إقالة الملك سلمان وزير المياه والكهرباء عبد الله الحصين من منصبه، بعد فرض رسوم جديدة على استهلاك السعوديين للمياه، ما أثار ردود فعل شعبية غاضبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورداً على سؤال عن تحفظ بعض السعوديين عن بيع جزء من «أرامكو» تشمل طرح أقل من خمسة في المئة من الشركة العملاقة للاكتتاب العام، وإنشاء صندوق سيادي بقيمة ألفي مليار دولار، قال بن سلمان «نحن أصبحت لدينا حالة إدمان نفطية في المملكة السعودية من قبل الجميع، وهذه خطيرة، وهذه التي عطلت تنمية قطاعات كثيرة جداً في السنوات الماضية». واستعان بن سلمان بالتاريخ ليبرر الخطوة قائلاً إن الملك الراحل «عبد العزيز، عندما أسس السعودية، لم يكن لديه نفط، وتمكن مع معاونيه من إدارة الدولة على الرغم من غياب النفط».
لكن التساؤلات كثيرة والملاحظات أيضاً، وبينها ما هو إيجابي، لكن الكثير أيضاً سلبي. وكالة «فرانس برس» نقلت عن مصدر متابع لصناعة النفط قوله إن الخطة «أشبه بالحلم»، مضيفاً أنه «كان على السعوديين أن يطلقوا برنامجاً من هذا النوع عندما كانت أسعار النفط مرتفعة».
ومع ذلك، تلحظ الخطة زيادة الإيرادات النفطية ستة أضعاف، من 43.5 مليار دولار سنوياً الى 267 ملياراً، من خلال اقتطاعات ضخمة من الدعم الحكومي على منتجات الطاقة وغيرها وسلسلة إجراءات تنفيذية، ما سيحد من اعتماد الإيرادات الحكومية بشكل رئيسي على مداخيل النفط، ويقلل من تأثير تراجع أسعاره عالمياً على المالية العامة للبلاد.
وفي موقف يطرح الكثير من التساؤلات، يقول محمد بن سلمان خلال المقابلة التلفزيونية بالأمس «أعتقد في سنة 2020 نستطيع أن نعيش بدون نفط»!
ودفع تراجع إيرادات النفط الحكومة السعودية في كانون الأول إلى خفض الدعم على مواد أساسية أهمها الوقود والمياه والكهرباء. وسجلت أسعار النفط تراجعاً حاداً منذ منتصف العام 2014، ما كبد المملكة خسائر بمئات مليارات الدولارات. وأعلنت السعودية عجزاً قياسياً في ميزانية العام 2015 بلغ 98 مليار دولار، وتتوقع عجزاً إضافيا بنحو 87 ملياراً هذه السنة. كما دفع انخفاض إيرادات النفط المملكة إلى الاستعانة باحتياطها من العملات الأجنبية. كما تعتزم السعودية اقتراض عشرة مليارات دولار من مصارف اجنبية، لتغطية العجز في ماليتها العامة.
قراءة أولية من الخبير الاقتصادي الدكتور الدكتور غازي وزني
يقول الدكتور وزني إن الخطة «طموحة جداً»، ولها مخاطرها مثلما لها إيجابياتها، فلماذا؟
وبالنسبة إلى النقاط الشديدة الطموح فيها، يقول وزني:
1- تعتبر الخطة أن «الصندوق السيادي» البالغ حجمه 2 تريليون دولار، قد يكون محركاً رئيسياً للكرة الأرضية، وليس فقط للمملكة.
2- التحول من اقتصاد الدولة الى اقتصاد السوق، أي من اقتصاد يعتمد كلياً على مداخيل النفط (نحو 80 في المئة) الى اقتصاد الخدمات، يحتاج الى فترة زمنية، أي إلى عقود من الزمن وليس فقط الى 15 سنة.
3- خفض البطالة من 11 في المئة الى 7 في المئة، يحتاج الى تغيير كلي في النمط الاقتصادي وإلى التأهيل والتدريب وتغيير نموذج التعليم وإلى الكفاءات...
4- رفع حجم السياحة والحج حالياً من 8 ملايين الى 16 مليوناً ثم الى 30 مليون شخص، قد يواجه مشكلة العقلية والعادات والنظام القائم والانفتاح وغيرها.
ويقول الدكتور وزني لـ «السفير» إن الخطة «ليست واقعية» في النقاط التالية:
أولاً، إنهاء اعتماد المملكة على إيراد النفط بحلول العام 2020، ليس خياراً واقعياً، لأن السعودية تعتمد حالياً على 80 في المئة من إيراداتها على النفط، وثانياً أن العجز في الميزانية العامة في العام 2016 يصل إلى 20 في المئة، أي حوالي 124 مليار دولار، فيما يقدر صندوق النقد الدولي العجز السعودي في العام 2017، بحوالي 17 في المئة، وثالثاً إن المملكة خسرت في العامين الماضيين، 135 مليار دولار من احتياطاتها من العملة الأجنبية التي تراجعت من 735 مليار دولار الى 595 مليار دولار.
أما على الصعيد السياحي فيقول الدكتور وزني، إن التحول الى قطاع الخدمات وخاصة السياحة والتجارة على غرار الجارة دبي التي تستقطب حوالي 10 ملايين سائح سنوياً، فإنه يحتاج الى مناخ عام منفتح وأماكن سياحية جاذبة وإلى قوانين وتشريعات مرنة...
أما بالنسبة الى الإشارة للموقع الجغرافي للمملكة، لجذب المستثمرين ورجال الأعمال من الخارج ولجعل المملكة موقع ربط بين آسيا وأفريقيا، إضافة الى قرار بناء الجسر بين السعودية ومصر، فيقول الدكتور وزني إنه من الصعب تأكيد أن هذه العناصر ستعزز دور التبادل التجاري بين المملكة والمنطقة والعالم.
ولهذه الرؤية مخاطرها كما يراها الدكتور وزني:
1- احتمال خسارة الصندوق السيادي قيمته في حال تراجع أسعار النفط عالمياً، لأن العنصر الرئيسي في هذا الصندوق يتوقف على قيمة شركة «أرامكو» وشركات تابعة لها والمقدّرة قيمتها بين 2 تريليون دولار و2.5 تريليون دولار.
2- الإخفاق في التحول من اقتصاد النفط الى اقتصاد الخدمات بسبب قيود المجتمع والعادات والتقاليد والنظام وبسبب المنافسة لها من قبل دول الجوار (دبي، تركيا، الأردن ولبنان).
3- تداول أسهم «أرامكو» في السوق المالي السعودي، وليس في الأسواق المالية العالمية لتنشيط السوق المحلي، يفقد من قيمة هذا السهم لدى كبار المستثمرين العالميين وكبار الصناديق الاستثمارية العالمية.
ومع ذلك، يرى الدكتور وزني، أن للرؤية إيجابياتها أيضاً، ومن بينها تنويع مصادر دخل المملكة ما يخفف من اعتمادها ورهن نموها، على اسعار النفط. كما ان الخطة تلحظ رفع الدعم عن المياه والبنزين والكهرباء وترشّد الإنفاق خصوصاً في المجال العسكري (قال بن سلمان إن السعودية في العام 2015، كانت أكبر ثالث دولة تنفق عسكرياً في العالم). ويضيف وزني أن من الإيجابيات، التحول الى قطاع الخدمات وتقوية قطاع التعدين، وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة التي قد تساهم في خلق فرص عمل وتخفيض حجم البطالة، ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والرقابة في إدارة الصندوق السيادي وفي المناقصات العامة، إضافة الى إيجابية قرار الإصلاح في الجهاز الحكومي.
وبالإجمال، يقول الدكتور وزني إن التوقيت غير مناسب بالنسبة الى الاقتصاد السعودي، لأن المؤشرات الاقتصادية تشير الى أن النمو ضعيف، ويسجل نحو 1.2 في المئة بحسب صندوق النقد الدولي، في حين أن العجز في المالية العامة يقارب الى 20 في المئة، بينما تصل البطالة الى نحو 14 في المئة،هذا الى جانب ان المداخيل النفطية تراجعت اكثر من 60 في المئة، وتراجعت موجودات صندوق الاحتياط للعملات الأجنبية، طبعاً من دون أن ننسى أنه في ظل الاجتماع النفطي الفاشل الذي عقد في الدوحة مؤخراً، يُتوقع أن تبقى اسعار النفط في العام 2016 منخفضة، أي اقل من 50 دولاراً للبرميل.
أبرز نقاط «الرؤية السعودية»
ـ طرح أقل من 5 في المئة من أسهم شركة «ارامكو» للاكتتاب العام في السوق المحلية.
ـ تحويل صندوق الاستثمارات العامة الى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بألفي مليار دولار، ليصبح بذلك «اضخم» الصناديق السيادية عالمياً.
ـ زيادة الايرادات غير النفطية ستة اضعاف، من 43.5 مليار دولار سنويا الى 267 ملياراً.
ـ زيادة عدد الذين يؤدون سنوياً مناسك العمرة من ثمانية ملايين الى 30 مليوناً بحلول 2030، عن طريق استثمارات وحوافز. وأشار بن سلمان الى «اعمال تطوير البنى التحتية كمطار جدة الجديد ومطار الطائف، اضافة الى تطوير البنى التحتية في مكة واستثمار اراض محيطة بالحرم المكي».
ـ تحسين تصنيف السعودية وجعلها من ضمن أفضل 15 اقتصادا في العالم، بدلا من موقعها الراهن في المرتبة الـ20.
- رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، من 3.8 في المئة حاليا الى 5.7 في المئة.
- رفع حصة الصادرات غير النفطية من الناتج المحلي غير النفطي، من 16 في المئة حالياً الى 50 في المئة.
- زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22 في المئة الى 30، وخفض نسبة البطالة من 11.6 في المئة الى سبعة في المئة.
- إطلاق صناعة عسكرية سعودية (إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة مئة في المئة للحكومة تطرح لاحقا في السوق السعودية).
- العمل على تعزيز مكافحة الفساد.
- انشاء مكتب لإدارة المشاريع الحكومية «وظيفته ان يسجل كل الخطط والاهداف، ويبدأ بتحويلها الى ارقام والى قياس أداء دوري».
- تستهدف السعودية توليد 9.5 غيغاوات كهرباء من الطاقة المتجددة بحلول العام 2030.
- إتاحة الإقامة لفترة أطول في المملكة للوافدين الأجانب عبر برنامج شبيه بنظام البطاقة الخضراء الأميركي.
- تصنيف 3 مدن سعودية بين أفضل 100 مدينة في العالم.
- ارتفاع إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه داخل المملكة إلى 6 في المئة من 2.9 في المئة.
- رفع مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي إلى 5 في المئة من أقل من 1 في المئة .
- رفع نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها إلى 10 في المئة من 6 في المئة.
- الوصول من المركز 36 إلى المراكز الخمسة الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية.
- رفع عدد المواقع الأثرية المسجلة في اليونسكو إلى الضعف على الأقل.