الرياض السعودية-
كان في اللقاء التلفزيوني الذي أجري مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والذي جاء متحدثاً فيه عن رؤية المملكة 2030 دلالات كثيرة تعلقت بأمور دار الحديث عنها كثيرا في الشارع السعودي، إذ تضمن سياق اللقاء الحديث عن طرح شركة ارامكو السعودية للاكتتاب بواقع 5%، مع تغير للنظرة الاقتصادية في المملكة والتي كانت تقوم على الاعتماد الكلي على النفط مع تقديم خطط جديدة سيعتمد عليها صندوق الاستثمارات العامة وتجاوز البيروقراطية.
إلا أن الحديث عن رؤية المملكة 2030 والتي وافق عليها مجلس الوزراء ووجه من خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله- الكلمة للمواطنين بأن يعملوا معا لتحقيق هذه الرؤية الطموحة تفرض هنا السؤال التالي: ما هو المتوقع والواجب على المواطن في هذه المرحلة ؟ وما هي أهم الامور التي تصب في صالحه والتي من شأنها أن تحسن مستوى المعيشة لديه وترتقي بوطنه ؟
رفع ذاتية الفرد
يرى المتخصص في الاقتصاد المالي والنقدي د. صالح السلطان بأن المتوقع من المواطن في هذه المرحلة أن يفهم البرنامج ويكون داعم للتصور والرؤية التي طرحت بها، وذلك الدعم لابد أن يكون من منطلق الاقتناع أولاً حتى يصب في مصلحة الابناء والاجيال القادمة وما يعمق هذه الرؤية الدور الذي يقوم به الجانب الوعظي ومجال الاعلام والجانب الاجتماعي، ولابد أن يستشعر الفرد بأن أمامه تحديات وبأن هذا وطنه، ولابد أن يتفانى الجميع في دعم هذه الرؤية، مشيراً إلى أن دعم المواطن لابد أن يتمثل أيضاً في دعم الانتاجية فلابد أن يكون الفرد منتجاً بما يتوافق مع التحول وهذه لها تطلبات من حيث كيف نرفع ذاتية الفرد سواء في التعليم أو في الوظائف، وإزالة العقبات مع التدريب والنظر في الترقيات وهذه مقومات أساسية في تحولات الرؤية.
وأوضح د. السلطان بأن المواطن من الممكن أن يتفهم مثل هذه الرؤية ويدعمها بقوة إذا وجد بأنها ليست منحازة للأثرياء، وحينما يرى أن محصلتها لصالحه، فالأفراد يعتمدون كثيراً على مبدأ القدوة في العدالة وذلك ما يجعلهم يدعمون الرؤية، وذلك ما كانت يدعو إليه الإسلام منذ القدم، فعمر بن الخطاب –رضي الله عنه– كان يقرر شيئاً فيبدأ بأهل بيته ثم الآخرين ومن يليهم وهكذا.
وذكر المتخصص في الاقتصاد المالي والنقدي بأن التنظيم الاقتصادي في السياسات لا يفضل الدعم العيني المباشر لأنه يغري الناس بالتبذير، ولكنه يفضل اعطاء الناس السلع مع مراعاة العدالة، أما المتضرر مالياً يقدم له دعم مادي يعوض ذلك الضرر، وذلك ما ينطبق على فرض الانظمة على السكن مع وفرة العرض، مؤكداً بأن من أهم ما ذكره ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والتي تصب في صالح المواطن ما يتعلق بإدارة المشروع بحيث لا يكون كلاماً على ورق، وكذلك طريقة اعداد الميزانية.
رؤية طموحة وجريئة
وأشار المحلل الاقتصادي عبدالله البراك أن الرؤية التي طرحت من قبل ولي ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان متصلة بالواقع الشارع السعودي، فالكثير من المشاكل اليوم أصبحت الحكومة السعودية تواجهها أمام الشعب، والمتمثلة في ايجاد بدائل عن النفط، ولابد من القضاء على البيروقراطية والفساد، فولي ولي العهد واجه جميع هذه الأمور بكل وضوح وشجاعة فبدت الرؤية واضحة ومتصلة بالواقع الثقافي الوطني وتلك رؤية القيادة والتي يصروا على المواجهة الأخيرة.
وتابع: هناك من المواطنين من عاش الخوف قبل التوضيح لتلك الرؤية، إلا أنه من المتوقع أن ذلك الخوف بدأ يتغير لأن المنطق لدى بعض افراد المجتمع بدأ يتضح بوضوح هذه الرؤية، موضحاً بأنه من الخطأ الاعتماد على النفط فقط وهذا في تاريخنا متأصل، وما يجب أن نفعله أن نؤمن ابنائنا فالمستقبل لهم ولابد من توفير ذلك المستقبل لأجيالنا القادمة وهذه الرؤية مهمة إذا ما أردنا استمرار قوتنا ورفاهيتنا.
وأوضح البراك بأنه لابد على هذه الرؤية أن تكون واضحة وأن تكون شاملة حتى في فيما يتعلق بالجانب القانوني والتنظيمي بين علاقات الوزارات، ففي كل منظمة سواء كانت شركة أو تجارية فيوجد هناك ما يسمى ب "بروسيجر" لشركة يوضح مسؤولية كل موظف مهما صغر وحدود طاقاته وعمله، والعلاقات التنظيمية بين الوزارات فالكثير من الأمور لدينا يوجد بها هدر مالي ووظيفي ووقت بسبب عدم وجود التنظيم بين الوزارات، وهذه الرؤية لا ينظمها سوى القانون، فالرؤية الاقتصادية التي تسعى القيادة إليها يجب أن تربط برؤية قانونية أيضاً، فعدم غربلة القوانين أدى إلى كل ذلك التأخر، مؤكداً بأن الرؤية كانت طموحة وجريئة ومن المتوقع أن يدعمها الشارع السعودي بكل جد لأنها تعبر عن مخاوف المواطن ومخاوف ما بعد النفط وكان ذلك يمثل كارثة كبيرة له.
خطأ الثقافة الاستهلاكية
وذكر المحلل الاقتصادي عبدالله البراك بأن المواطن عليه اليوم ان يواجه واقعه، فنحن نتحدث عن استهلاك يومي للبرميل يصل إلى 3 ونصف إلى 4 ملايين في السعودية يسهلك محلياً، وهذا رقم كبير جداً، وما يجعلنا نستهلكه هو الرخص الكبير، ولذلك لابد من مواجهة الواقع، فإذا ما استمر الحال بنا على ذات التفكير والثقافة القديمة فإننا سنستهلك في 22 ذات انتاج السعودية من النفط وهذا غير منطقي، فربما الفرد الاميركي يستهلك ذات الاستهلاك، ولكن الفرق هنا أنه يستهلك بدون انتاج، أما نحن فنستهلك بسعر الانتاج، لذلك أصبح لدينا عدم مبالاة للماء والكهرباء، وربما يمثل ضغطا على الطبقة الفقيرة والمتوسطة، إلا أن الارتفاع يضغط على الاثرياء، ولذلك نحن لدينا خطأ في الثقافة الاستهلاكية، فثقافة السكن يوجد بها خطأ، فعلى سبيل المثال تصل المساحة للبيت 400 متر لأربعة اشخاص من الطبقة المتوسطة، أما الطبقة الغنية من فوق ألف متر وما فوق، وتغيرت هذه النظرة لأن التضخم على مستوى العالم تغير، في حين كانت مساحة البيت قبل 50 سنة تصل إلى 200 متر وما غير تلك الثقافة رخص الاشياء فنحتاج إلى ثقافة اقتصادية واستهلاكية صحيحة.
اقتصاد بعيد عن النفط
ويرى الكاتب والمستشار الاقتصادي احمد الشهري بأن المحور الاساسي في أي خطة تنموية هي العنصر البشري، فالمواطنون استقبلوا كلمة ولي ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان بلغة ميسرة بعيدة عن اللغة الاقتصادية المعقدة، وما تم طرحه هي المحددات الرئيسية دون النظر إلى تفاصيلها الفنية أو آليات تنفيذها بشكل دقيق، فمن المتوقع أن يكون لها تفاصيل كثيرة وسيتم الاعلان عنها، إلا أن المواطن استقبل هذا اللقاء بالكثير من المبشرات في الجانب المتعلق بالدعم للأمور الحياتية التي تلامس المواطن، وهو الدعم الذي يوصل إلى الغاية بدل الدعم الشامل الذي استفاد منه 70% من الذين لم يكونوا بحاجة لذلك الدعم ولا يمثل لهم قيمة سوى استنزاف للميزانية، ولذلك التوجه الجديد الذي لامس المواطنين هو الدعم المباشر.
وتابع: نجد بأن توصيات الخبراء من الاقتصاديين والماليين والقريبين من القرار الاقتصادية بأن الدعم المباشر هو الحل الأمثل من الناحية الاقتصادية، فمثل هذه التقنيات في دعم الافراد تعتبر وسيلة مباشرة في رفع تكاليف الحياة وانخفاض الدخل، لأن هذا سيساعد الدولة على التركيز على القطاعات التي تولد دخلاً بعيداً عن البترول والنفط، ولذلك فما يستخدم من اساليب للدعم المباشر يعتبر وسيلة جيدة ومنح المواطن خيارات ما بين الخدمات أو متطلبات أخرى، ولذلك فالأمور تدعو للتفاؤل، وما نحن مقبلون عليه توجه جيد نحو اقتصاد بعيد عن النفط وهو الاقتصاديات التي تركز على الانتاج، وبعدها يمكن استضافة الشركات الاجنبية وفرض الضرائب، سواءً ضرائب تلك الشركات الاجنبية أو أي شكل من أشكال الضرائب التي يمكن أن تكون عاملا مهما وأساسيا في هذا الجانب للدولة.