شؤون خليجية-
يواجه مشروع 2030 الذي أعده النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تحديات وصعوبات هيكلية قد تعرقل مسار الخطة الطموحة والجريئة للإصلاح الاقتصادي، تتعلق بصعوبة وضريبة التحول من الاقتصاد الريعي النفطي إلى اقتصاد إنتاجي، وكيفية توفير تمويل في ظل انخفاض الإيرادات ومخاطر الاقتراض الخارجي، ومشاكل البيروقراطية والفساد، وضعف الرقابة والمشاركة الشعبية، الأكثر خطورة طبيعة الإنفاق الحكومي، والقطاع المدني، وهيكل العمالة المحلية والأجنبية، وهيكل الأجور، وكيفية تعويض الطبقات الفقيرة والمتوسطة ومحدودي الدخل في ظل تطبيق سياسات الدعم وتحرير أسعار الوقود، وضعف الخبرة بتجارب الخصخصة، وكيفية منع هيمنة رجال الأعمال على الاقتصاد وثرواته.
وفيما يلي نرصد أبرز الصعوبات التي تواجه مشروع 2030 الذي أقره أمس مجلس الوزراء:
معوقات بوجه خطط طموحة
في 23 أبريل 2016 وصفت مجلة "إيكونوميست" البريطانية خطط الأمير محمد بن سلمان بأنها متعجلة أو متهورة، ولكنها ربما تؤدي لإصلاحات شجاعة، وتعتمد المملكة وهي أكبر دولة منتجة للنفط في العالم على موارد النفط. وبسبب تراجع أسعار النفط الخام يتوقع أن يصل العجز في الميزانية لهذا العام إلى حوالي 13.5% من الدخل القومي العام، وعليها، والحالة هذه، تخفيض النفقات والاعتماد على احتياطاتها المالية والاقتراض من الخارج. وترى أن النظام الريعي الذي توزع فيه الموارد النفطية على السعوديين من دون عمل شيء ومقابل الحصول على ولائهم يتعرض لضغوط حتى في ظل الازدهار النفطي.
ومن هنا، تأتي خطط الأمير محمد بن سلمان التي تضم إلغاء الدعم على المواد الأساسية وزيادة الضريبة وخصخصة جزء من الخدمات العامة وتحقيق إصلاحات صناعية.
1-قدرات القطاع المدني الحكومي
وذكرت "الإيكونوميست" أن خططه تواجه معوقات، منها ضعف قدرات القطاع المدني الحكومي لتطبيق خطط طموحة كهذه. ومنها نفوذ العائلة الحاكمة الكبيرة العدد، بالإضافة إلى سلطة رجال الدين المحافظين والذين قد يقفون أمام الإصلاح الضروري للاستثمار: دعم القطاع الخاص وتعزيز الشفافية وحكم القانون وتقوية موقع المرأة.
2-معلبات لمصلحة من؟
من جهته قال الدكتور يوسف اليوسف -أستاذ الاقتصاد بجامعة الإمارات- إن "الرؤية الأقتصادية" عادة تمثل خارطة طريق لتحولات جذرية أما عندنا فإنها أقرب إلى المعلبات التي ترسمها مكاتب الأستشارات لتمكين أهل النفوذ.ولفت في تغريدات له على حسابه بتويتر، إلى أن ما أفرزته "الرؤى التنموية" في دول المجلس حتى الآن هو مزيد من السيطرة الأجنبية والاختلالات السكانية وخصخصة المال العام من أجل القلة.
وأضاف "اليوسف": "ليس مستغربا أن تكون هذه الرؤية تعبر من مصالح الساسة ورجال الأعمال على حساب المجتمع لأنه تم صياغتها في ظل غياب إرادة المجتمع ومؤسساته.
3-الإنفاق الحكومي والقطاع الخاص
بدورها رصدت شبكة "سي إن بي سي" الاقتصادية الأمريكية تباين وجهات نظر الخبراء الدوليين بشأن "رؤية السعودية 2030" وإمكانية تحقيقها على أرض الواقع، وأشارت إلى وجود تحديات هيكلية رئيسية ستختبر عزم المملكة على تنفيذ رؤيتها المستقبلية، معتبرة أن أكبر تحد للسعودية هم السعوديون أنفسهم.
أكد "ستيفن هيرتوج" الأستاذ المساعد بكلية الاقتصاد في لندن من أن "العقبات الهيكلية تقف دائما أمام التقدم المتعلق بسياسة تنويع اقتصاد المملكة، وتحدث عن أن واحدة من الإشكاليات الرئيسية هي أن كل شيء في الغالب باقتصاد المملكة متعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بالإنفاق الحكومي، فما يقرب من ثلثي القوة العاملة السعودية يعملون بالقطاع العام وأغلب الاحتياجات الأسرية تأتي من السعوديين الذين يتلقون رواتب حكومية، في حين أن حجم الرواتب التي تحصل عليها أسر سعودية من العمل في القطاع الخاص تبلغ 4% فقط من إجمالي الناتج المحلي."
وأشارت الشبكة إلى أنه فيما يتعلق بالقطاع الخاص فإن "الصناعات الكبرى كالمقاولات والعقارات والكهرباء والاتصالات 80% من القوة العاملة بها من خارج المملكة، والأجور المتدنية فيها تحول دون عمل السعوديين بها، الذين يفضلون الأجور المرتفعة والعمل المستقر في القطاع العام."
4-الفساد والبيروقراطية
أما "مضاوي الرشيد" الأستاذة الزائرة بالجامعة الوطنية بسنغافورة فشددت على أن "الافتقار إلى الشفافية والمحاسبة بالإضافة إلى المستوى المرتفع من الفساد معوقات أمام إحداث توسع أكبر للقطاع الخاص."
عراقيل أخرى بنيوية حيث يرى المحلل السياسي السعودي عقل الباهلي بشأن رؤية ٢٠٣٠ في تصريحات لشؤون خليجية أن: "الكل يعرف أن السعودية مثقلة بالبيروقراطية في أجهزة الدولة وهناك مطالبات متعددة حول إقرار وزارة الحكم المحلي ولم يشر الأمير بن سلمان إلى مسألة المشاركة الشعبية في القرار بكل تفرعاته الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
5-كيفية تعويض الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل
ونبه إلى أن الأمير "بن سلمان" تحدث عن مصادر الدخل ومر مرور الكرام حول تعويض الطبقات المتوسطة والفقيرة عند رفع الدعم، قائلا: "مهم أن نسمع أحد قياداتنا السياسية بكل هذا الزخم المتفائل ولكن نريد أن نشاركه الرؤية والتفاؤل بما سنسمعه إن شاء الله عن التحول الشامل في ثنايا الرؤية في الأيام القادمة".
اتجهت السعودية إلى تطبيق سياسة التقشف خلال العام الحالي، وتبني توجه تحريك أسعار الوقود وفرض ضرائب، لمواجهة عجز الموازنة، حيث أقر مجلس الوزراء السعودي رفع أسعار منتجات الطاقة والكهرباء والمياه بالمملكة.
وتشير التقديرات إلى أن دعم أسعار الطاقة قد كلف الحكومة السعودية نحو 61 مليار دولار في عام 2015، بما يعادل 9.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ووافق مجلس الوزراء السعودي في اجتماعه 23 نوفمبر 2015 برئاسة الملك سلمان، على نظام رسوم الأراضي البيضاء.
في هذا السياق قال الكاتب الاقتصادي غسان باتكوك: إن "رفع الدعم عن الديزل والبنزين سيؤثر على المواطن، خاصة محدود الدخل، لأنه يؤدي بالضرورة إلى زيادة أسعار الكهرباء والماء؛ لارتباطهما المباشر بالديزل؛ ناصحاً بأن يتم قصر الدعم على الشرائح الاجتماعية الأقل دخلاً، وقال: تخفيف الدعم سوف يكون له انعكاسات؛ حيث تُعَدّ الطاقة مكوناً أساسياً لكل السلع والخدمات، وأي تغيير في سياسة الدعم يؤثر على السلع بالصعود؛ ناصحاً بأن يكون التخفيض تدريجياً، ويرافقه خلق لبعض البرامج الاجتماعية التي تدعم محدودي الدخل، مثل إنشاء شبكة من الجمعيات التعاونية لتوفير السلع بأسعار أقل، بحسب "سبق".
6-مصادر تمويل المشروعات؟
كيف ستمول الرياض مشاريعها الطموحة في ظل هبوط أسعار النفط وتناقص الاحتياطيات النقدية، فقد أعلن صندوق النقد الدولي في تقرير له صدر في شهر أكتوبر الماضي، أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية ستستهلك احتياطاتها النقدية خلال 5 سنوات، إذا استقرت أسعار النفط عند مستوى 50 دولارًا للبرميل، لكن في حال تدهورها إلى 30 دولارًا أو أكثر فلا بد أنها ستمر بمرحلة عصيبة خلال المرحلة القليلة المقبلة.
كذلك حذر البروفيسور غريغوري غوز الأستاذ في جامعة Texas A&M الأميركية بحسب قناة بلومبيرغ من أن "الانتقال والتحول من اقتصاد قائم على النفط إلى غيره أمرٌ من الصعوبة بمكان، ولقد مضت عقودٌ فيما يتحدث السعوديون عن هذا الانتقال من دون إحراز تقدم كبير، ولهذا فإن خطة محمد بن سلمان قد تولت الأمر وسهلته عليهم."
كانت السعودية قد أعلنت بنهاية ديسمبر الماضي، عن موازنتها العامة للدولة لعام 2016، بعجز قدره 326.2 مليار ريال، ما يعادل نحو 87 مليار دولار، وتعتزم السعودية تغطيته عبر الاقتراض في السوق الداخلية والخارجية.
بالفعل جاء إعلان خطة 2030 بالتزامن مع استعداد السعودية لاقتراض 10 مليارات دولار من بنوك أجنبية لتغطية جزء من العجز الذي يضرب ميزانيتها العامة بسبب انخفاض أسعار النفط، لأول مرة منذ أكثر من 15 عاما، وفق تقرير لوكالة بلومبرغ صدر الأربعاء الماضي، ولم يتضح بعد كلفة الاقتراض وشروطه.
7-فشل تجارب الخصخصة
أبدى اقتصاديون سعوديون قلقهم بشأن نجاح خطوة خصخصة جزء من شركة أرامكو السعودية، وغيرها، إذ يرون أن المملكة تفتقر لتجربة خصخصة ناجحة يمكن اتخاذها نموذجا يحتذى به، ويخشون تكرار تجربة خصخصة قطاع الكهرباء التي مرّ عليها 12 عاما وما زالت تعاني الفشل، كذلك يربط اقتصاديون نجاح التوسع في الخصخصة بخفض الاستقدام وتقنين وحوكمة ملكية الشركات الكبرى.
وبشأن خصخصة أرامكو تحديدا تتصاعد مخاوف خبراء نظرا لضخامتها وتعدد نشاطاتها، فهي بشكل عام تشرف على عشرات من الأنشطة العملاقة مثل الاستكشاف والتنقيب عن النفط وإنتاجه، ولذا من المهم برأيهم بقاء أرامكو ملكا للدولة تحت مظلة واحدة، وليس من الصالح بعثرتها في شركات خاصة."
تعد شركة آرامكو هي المنتج الأول للنفط في العالم، حيث لديها القدرة على ضخ أكثر من 12 مليون برميل يومياً، أي أكثر من ضعفي إنتاج أي شركة أخرى، وهي رابع أكبر شركة تكرير في العالم، وتسيطر أرامكو على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، بعد فنزويلا.
8-ما الجهات الرقابية؟
في مؤشر على وجود أزمة في رقابة المشروعات جدد أعضاء مجلس الشورى في 13 يناير الماضي، المطالبة بمعالجة تعثر مشروعات التنمية، التي بلغت حسب تقرير لهيئة الرقابة والتحقيق انفردت بنشره "الرياض" نسبة 72% خلال العام المالي 35-1436، وشددوا على ضرورة توحيد جهود الهيئات الرقابية، والعمل على القضاء على الازدواجية في أعمال تلك الجهات، وشددت د. حنان الأحمدي، على أن كل المؤشرات تؤكد أن "منظومتنا الرقابية متضخمة وغير فاعلة ولا ترتقي لاحتياجنا التنموي، ولم تنجح في حفظ المال".