ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

«فورين بوليسي»: خطة السعودية للتحرر من الاعتماد على النفط

في 2016/04/27

فورين بوليسي- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-

كشفت المملكة العربية السعودية يوم الاثنين عن خطة شاملة لتنويع اقتصادها وإنهاء الاعتماد المفرط على صادرات النفط الخام بحلول عام 2030، ويمثل هذا المخطط الجهد الأكثر طموحا حتى الآن لتوجه الرياض والطبقة الحاكمة نحو سحب السعودية إلى الحداثة.

وقد قال ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» في مقابلة له مع قناة «العربية» الإخبارية «إن المملكة يمكن أن تعيش في عام 2020 دون أي اعتماد على النفط»، وأن الاعتماد السعودي على النفط أدى إلى اضطراب في تطوير العديد من القطاعات في السنوات الماضية.

يشرف الأمير «محمد»، البالغ من العمر 30 عاما والذي لديه السلطة الفعلية في المملكة التي يحكمها والده اسميا على كل من الشؤون الاقتصادية السعودية وسياسة الدفاع، كما يسعى بقوة لإصلاح الدولة التي تعتمد على النفط والسرية، ومن بين الإصلاحات التي أعلن عنها خفض الدعم الحكومي للنفط والكهرباء، والمياه، التي تعمل على استنزاف كلفة كبيرة من الخزينة العامة، لكنها أيضا اعتبرت لفترة طويلة حقا مكتسبا للمواطنين السعوديين.

ومن ذلك أيضا رفع قيمة عائدات الضرائب وفتح البلاد لمزيد من المغتربين والسياح، وتخفيف قبضة القيود الدينية الصارمة التي تحظر الكحول وتحد بشكل كبير من الأدوار العامة المتاحة للمرأة.

وقد وضعت الحكومة السعودية يوم الاثنين تفاصيل واسعة لخططها للتجديد الاقتصادي والمالي، واصفة إياها بـ«الرؤية الطموحة».

البحث عن التحول

يدور محور التحول الاقتصادي في المملكة العربية السعودية حول الاكتتاب العام المزمع لشركة أرامكو السعودية، وهي أكبر شركة للنفط في العالم، وقال الأمير «محمد» أن الدولة سوف تدرج أقل من 5% من شركة النفط العملاقة للبيع مما من شأنه أن يساعد صندوق الرياض السيادي المزمع بقيمة 2 تريليون دولار، وقال إن شركة النفط يمكن أن تكون قيمتها بما يصل الى 2 تريليون دولار وقال «بن سلمان» في الافتتاح الرسمي للبرنامج، إنه من شأنه أن يساعد تحويل المملكة العربية السعودية إلى «قوة استثمارية عالمية».

وتأتي هذه الخطة في لحظة حرجة للرياض، التي شهدت علاقاتها مع إدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» تدهورا وسط قلق سعودي عميق أن واشنطن تقترب من طهران على حسابها، وأجبرت الإدارة على إعادة النظر في علاقتها المملكة العربية السعودية، من خلال المشرعين الأمريكيين في الكونعرس من كلا الحزبين الذين قاموا بالضغط على الإدارة للإفراج عن جزء من وثائق التحقيق التي يمكن عبرها تسليط الضوء على مشاركة سعودية أكبر في هجمات 11 سبتمبر/أيلول.

وفي محيط السعودية، ينخرط الجيش السعودي في صراع طاحن في اليمن أسفر عن سقوط ضحايا بين المدنيين دون تحقيق الهدف المعلن المتمثل في طرد جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والتي تسيطر على معظم أنحاء البلاد، وقد أطلق الأمير «محمد» تلك الحملة وأشرف عليها، مما دفع بعض المراقبين للقلق أن وزير الدفاع الأصغر في العالم قد قضم أكثر مما يستطيع مضغه.

وبأعصاب هادئة، يضع الأمير «محمد» الآن نصب عينيه إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، وقد قال أن التحول الطموح، والمعروف باسم «الرؤية السعودية عام 2030»، سيمضي بغض النظر عن سعر النفط، مشيرا إلى انخفاض بنسبة 70% في أسعار النفط الخام عن أعلى مستوى في صيف عام 2014.

و في الطريق فإن المملكة العربية السعودية تبحث سبل تطوير خطط تنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد المفرط على النفط لربع قرن، على الرغم من أن مبيعات النفط الخام لا تزال شريان الحياة للبلاد.

ولكن انخفاض أسعار النفط يضع المزيد من الضغوط على السلطات السعودية لإجراء تغييرات، ونظرا لاستمرار الإنتاج من قبل المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان، فإن أسعار النفط اليوم تدور حول 35 دولار للبرميل، وقد قال «صندوق النقد الدولي» إن الدول المصدرة للنفط في المنطقة تكلفت حوالي 390 مليار دولار في العام الماضي، وساهم ذلك في عجز بقيمة 120 مليار دولار في الميزانية السعودية.

ويقول «جان فرانسوا سيزنيك» من مركز الطاقة العالمي التابع لمجلس الأطلسي «إن سعر النفط حول 30 دولارا هو نعمة بالنسبة للمملكة، لأنه يجبرهم على الانتقال من كونهم دولة ريعية إلى دولة عادية».

حتى أن طرح أسهم «أرامكو» للاكتتاب العام، الأمر الذي يعني فتح دفاترها للتدقيق العام، هو جزء لا يتجزأ من تحديث ثقافة الحكم المبهمة في المملكة العربية السعودية، التي ما زالت تعاني من شبح احتجاجات على غرار الربيع العربي من النوع الذي أسقط الحكومات في تونس، ومصر، وليبيا، والذي أشعل حربا أهلية استمرت خمس سنوات في سوريا.

وقال «سيزنك»: «إنهم يحاولون نقل البلاد والعائلة المالكة للقرن الـ21»، ويضيف بالقول: «محمد بن سلمان يعمل على إعادة تقديم العائلة المالكة لجعلها مستساغة إلى 70% من سكان البلاد تحت سن الـ 30 عاما، وفي نهاية المطاف، إنهم يحاولون إنقاذ الأسرة المالكة من نفسها».

عوائق

ورغم وجود الدوافع الرئيسية لإصلاح الاقتصاد، فإن الأمر لا يخلو من عقبات مثل سوق العمل المختلة والعمال غير المهرة، وارتفاع معدلات البطالة وهي أيضا من بين أكبر العقبات التي تحول دون التحول.

 يشكل المواطنون السعوديون أقل من 10% من القوى العاملة في القطاع الخاص، وأقل من نصف مجموع القوة العاملة، وتهيمن العمالة الأجنبية على العديد من القطاعات، خصوصا البناء، ومشاركة العمالة النسائية منخفضة في المملكة العربية السعودية، لأسباب دينية وثقافية: فقط حوالي 20% من النساء السعوديات ينخرطن في العمل، وهو تقريبا نفس المستوى في أفغانستان أو باكستان.

تلك الحواجز الثقافية والدينية بما فيها الحظر على الكحول والحملة الصارمة على ما يعتبره رجال الدين السلوك المنحرف تعد من العقبات التي تحول دون الانفتاح المقرر، مما يجعل من غير المحتمل أن تصبح المملكة العربية السعودية مثل دبي.

كما أن النظم المالية والمصرفية تفتح الآن فقط أمام المستثمرين الأجانب، في سوق الأسهم السعودية، حيث سيتم إدراج أسهم شركة أرامكو، سمح للمستثمرين الأجانب بالوصول إلى الأسواق مباشرة فقط في الصيف الماضي، ولا تزال الأسواق مغلقة في قطاع التجزئة إلى حد كبير.

ومع ذلك، هناك بعض أسباب للتفاؤل منها أن الثروة النفطية في المملكة العربية السعودية أدت لولادة صناعة البتروكيماويات النابضة بالحياة، من خلال شركة السعودية للصناعات الأساسية، وهي واحدة من الشركات العالمية الرائدة في هذا القطاع. كما أن البلاد لديها الكثير من الإمكانيات في مجال التعدين واحتياطيات رخيصة ووفيرة من البوكسيت المستخدم في إنتاج الألمنيوم، كما أنها قوية في مجال الفوسفات والأسمدة.

وتدعو الخطة أيضا المملكة العربية السعودية، ثالث أكبر مشتر في العالم للأسلحة، لتصنيع السلاح محليا لتصل إلى إنتاج نصف احتياجاتها الدفاعية بحلول عام 2030، مما قد يعطيها دفعة سواء في المجال الصناعي إضافة إلى التأمين الجيوسياسي ضد الاحتياجات المتزايدة من مشتريات الدفاع في المستقبل في المنطقة متوترة على نحو متزايد.

وقد وضع معهد «ماكينزي» الاستشاري العالمي الذي ساعد في صياغة الخطة اقتصادية للمملكة العربية السعودية، قائمة من ثمانية قطاعات رئيسية منها المعادن والتعدين والبتروكيماويات والصناعات التحويلية والسياحة، وهي أمور حيوية لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي السعودي بحلول عام 2030.

ويقول «سيزنيك»: «ما زال هناك قدر من الإحباط، ولكن الحقيقة هي، أن هناك الكثير من الأسباب للأمل».