الاقتصادية السعودية-
"معقول قبلة المسلمين، وأهم بلد إسلامي، وما عندك متحف إسلامي في المملكة العربية السعودية! هل يعقل هذا؟ لما يجي زائر غير مسلم ويبغى يطلع على الإسلام من السعودية، مو موجود أي متحف أو مركز يستطيع أن يثري ثقافته في الإسلام، من خلال المملكة، هذا أمر غير منطقي تماما، وهذا يدل على الشح في الخدمات الثقافية التي نحتاج إليها في السعودية".
بهذه الكلمات عبّر الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في مقابلة تلفزيونية بمناسبة الإعلان عن رؤية السعودية لعام 2030، عن استغرابه لعدم وجود متحف إسلامي في المملكة، ليكون دافعا وإصرارا على إنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم، وفقا للرؤية الجديدة التي تؤكد مضامينها المكانة التاريخية للمملكة؛ إذ طالما كانت موقعا "يربط حضارات العالم بعضها ببعض، ما أكسبها تنوعا وعمقا ثقافيا فريدا".
سحب البساط
في تفاصيل رؤية 2030، فإنها تقول في طياتها: "كنا وما زلنا نعتز بإرثنا التاريخي، لا سيما أن خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم بعث من مكة المكرمة ومنها انطلقت رسالته إلى العالم أجمع، وتأسس أول مجتمع إسلامي عرفه التاريخ في المدينة المنورة.
ومن هذا المنطلق، سنؤسس متحفا إسلاميا يُبنى وفق أرقى المعايير العالمية، ويعتمد أحدث الوسائل في الجمع والحفظ والعرض والتوثيق، وسيكون محطة رئيسة لمواطنينا وضيوفنا للوقوف على التاريخ الإسلامي العريق والاستمتاع بتجارب تفاعلية مع المواد التعريفية والأنشطة الثقافية المختلفة، وسيأخذ المتحف زواره في رحلة متكاملة عبر عهود الحضارة الإسلامية المختلفة التي انتشرت في بقاع العالم، بشكل عصري وتفاعلي وباستخدام التقنيات المتقدمة، وسيضم أقساما للعلوم والعلماء المسلمين، والفكر والثقافة الإسلامية، ومكتبة ومركز أبحاث على مستوى عالمي".
المتحف الإسلامي للعلوم والتقنية في جامعة الملك عبدالله تجربة رائدة ومثمرة.
تنطوي عملية تأسيس هذا المتحف على كثير من التفاصيل، التي من المنتظر أن تكشف عنها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني خلال الأسابيع القادمة، من حيث مقتنيات المتحف ومجالاته، ومساحته، وتصميمه الذي ينتظر أن يكون مستوحى من العمارة الإسلامية، وحتى مدى استعانته بمقتنيات وتجارب المتاحف الإسلامية في الدول الشقيقة، وصولا إلى استعادة الآثار الإسلامية التي يملكها هواة جمع الآثار، على غرار حملة استعادة الآثار الوطنية التي أقامتها الهيئة في الداخل والخارج، بتوجيهات من الملك عبدالله، رحمه الله، حرصا واهتماما بهذا الإرث الثقافي المهم.
ولا شك أن عزم المملكة إنشاء هذا المتحف الإسلامي، الأكبر في العالم، سيسحب البساط من متحفين عريقين في العالم العربي، الأول متحف الفن الإسلامي في القاهرة، الذي يحتضن أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، ويضم 25 قاعة، والأكبر من نوعه طيلة القرن الماضي، منذ افتتاحه في 28 ديسمبر من عام 1903م.
أما المتحف الآخر؛ هو المتحف الإسلامي في قطر، والذي يضم 800 قطعة أثرية عٌرضت للمرة الأولى في عام 2008م حينما افتتحه أكثر من ألف شخصية عالمية، بما فيهم ملوك وأمراء وزعماء حول العالم، حيث يتألف من خمسة طوابق، ويحتضن كتبا ومخطوطات وأعمالا من السيراميك، والمعادن، والزجاج، والعاج، والأنسجة، والخشب، والأحجار الكريمة، والقطع النقدية المصنوعة من الفضة والنحاس والبرونز، تحكي كل منها قصة عن العالم الإسلامي، وتلقي الضوء على إمكانية تعايش الشعوب معا بسلام.
المتحف سيكون محطة رئيسية للمواطن والضيف للوقوف على التاريخ الإسلامي العريق.
وتبقى جهود المملكة في هذا المجال امتدادا لما قامت به على مدى العقود الماضية، وجهود هيئة السياحة بالطبع، والذي سيحفظ تراثا وثقافة ذات امتداد عريق. واختيار الرياض مقرا للمتحف، وفقا لتصريحات الأمير محمد بن سلمان، سيتيح الفرصة لغير المسلمين لزيارته، وتأمل محتوياته ومدلولاته، والتاريخ الحضاري للعرب.
فخر بالإرث الثقافي
لقد التزمت الرؤية الجديدة برفع عدد المواقع الأثرية المسجلة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى الضعف على الأقل، انطلاقا من الفخر بالإرث الثقافي والتاريخي السعودي والعربي والإسلامي.
وهو ما تعبر عنه الرؤية، حينما قالت: "إن أرضنا عُرفت- على مرّ التاريخ- بحضاراتها العريقة وطرقها التجارية التي ربطت حضارات العالم بعضها ببعض، ما أكسبها تنوعا وعمقا ثقافيا فريدا"، لتؤكد أيضا استمرار العمل على إحياء مواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي والقديم وتسجيلها دوليا، وتمكين الجميع من الوصول إليها بوصفها شاهدا حيا على إرثنا العريق وعلى دورنا الفاعل وموقعنا البارز على خريطة الحضارات الإنسانية.
وليس بخاف أن أرض المملكة شاهدة على عديد من الحضارات التي استوطنتها، ويقدر عمرها بآلاف السنين، والذين تركوا آثارا لا تزال شاهدة وشامخة إلى يومنا هذا.
الجديد في الرؤية في هذا الصدد هو تحديد مهلة زمنية لإضافة المزيد في قائمة "اليونسكو"، فالقائمة ضمت أربعة مواقع سعودية، هي مدائن صالح عام 2008م، ثم حي طريف في الدرعية عام 2010م، وجدة التاريخية عام 2014م، والفنون الصخرية في منطقة حائل، والتي نالت اعترافا في قائمة التراث العالمي العام الماضي.
ورغم أن الاعترافات جاءت متأخرة، واستغرقت جهدا ووقتا طويلا، خاصة في ملف جدة التاريخية، الذي استمر العمل عليه سنوات وسنوات، إلا أن الرؤية السعودية الجديدة ستسرع من وتيرة ضم المواقع الأثرية إلى قائمة "اليونسكو" خلال الـ 15 عاما المقبلة.
وبالعودة إلى تصريحات رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان في مطلع عام 2015م، فإن المقام السامي كان قد وافق على طلب تسجيل عشرة مواقع أخرى لدى "اليونسكو"، ضمن مشروع خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، وتم العمل على تجهيز هذه المواقع لـ "انتزاع" الاعتراف العالمي، وهي: درب زبيدة (طريق الحج الكوفي)، سكة حديد الحجاز، طريق الحج الشامي، طريق الحج المصري، قرية رجال ألمع، قرية ذي عين، قرية الفاو، واحة الأحساء، بئر حمى وحي الدرع في دومة الجندل.
إقامة مسارح.. ودعم الموهوبين
اعترفت رؤية السعودية 2030 بأن الفرص الثقافية والترفيهية المتوافرة حاليا لا ترتقي إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، وأكدت أن جهود الدولة ستتكاتف وتعمل على تخصيص الأراضي المناسبة لإقامة المشاريع الثقافية من مكتبات ومتاحف ومسارح وغيرها، ودعم الموهوبين من الكتّاب والمؤلفين والمخرجين والفنانين. كان لتضمين الثقافة كأحد مرتكزات هذه الرؤية المستقبلية أهمية كبرى لدى المثقفين، بل رفعت من سقف طموحاتهم، وهو ما يتضح من خلال تغريداتهم على موقع "تويتر"، ليكون ذلك بمثابة اعتراف بدور المثقف في بلد التجدد والفكر والإبداع.