الخليج الجديد-
قالت إذاعة «دويتشه فيلله»، الألمانية البارزة، إن تقديم ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، «رؤية السعودية 2030»، أثاراهتماما واسعا بفرص نجاح إصلاحات تهدف للتخلي عن النفط، مشيرة إلى أن تصدر الأمير الشاب لهذه الإصلاحات يسلط الضوء على حقيقة سباق الصراع على السلطة داخل المملكة.
جاء ذلك في تقرير نشرته الإذاعة الشهيرة على موقعها على الإنترنت، أمس الأربعاء، تحت عنوان «بن سلمان الأقوى في التنافس على السلطة في الأسرة الحاكمة».
ولفتت الإذاعة إلى أن «الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، ذو 31 عاما، لا يتوقف عن إرسال إشارات حول الدور الرئيسي الذي يلعبه في صنع القرار السعودي في ظل حكم والده الملك سلمان الذي جاوز العقد الثامن من عمره، بيد أن تقديم الأمير لرؤية السعودية 2030، الخطة الاقتصادية الطموحة في الانتقال إلى اقتصاد أقل اعتمادا على النفط، خطوة تبدو محمَّلة بالرسائل حول دور هذا الأمير الشاب الذي يتولى حاليا وزارة الدفاع، ويُعتبر حسب التسلسل الرجل الثالث في هرم الحكم الملكي بالسعودية».
ونقلت الإذاعة عن الدكتور «نبيل خوري»، الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي عمل في عواصم خليجية، وهو خبير بارز لدى «المجلس الأطلسي» الأمريكي، قوله، إن «الخطة اقتصاديا طموحة» لكن مقومات نجاحها تبدو «غير واضحة».
أما عن الدور الذي يلعبه الأمير «محمد بن سلمان»، فيرى «خوري»، أن «الأدوار الكثيرة والمفصلية التي يلعبها الأمير الشاب في سياسة السعودية الداخلية والخارجية، ترجح بأنه يُهيأ ليكون خليفة لوالده».
من جهته، رأى الدكتور «غيدو شتاينبرغ» الخبير في الشؤون السعودية بمعهد الأمن والسياسة في برلين، أن هناك مؤشرات متزايدة على تنامي نفوذ الأمير «محمد بن سلمان»، على الملفات الأساسية في السياسة السعودية، ما يجعله »الرجل الأقوى في سباق الصراع على السلطة داخل الأسرة الحاكمة».
سلطات اقتصادية وعسكرية تعزز نفوذ الأمير الشاب
ووفق الإذاعة الألمانية، يتولى الأمير «محمد بن سلمان» وزارة الدفاع التي تعد حجر زاوية في نظام الحكم بالمملكة، «بيد أن الأدوار التي يقوم بها على الصعيد الحكومي تتجاوز بكثير اختصاصات وزارة الدفاع، وهي أدوار يستمدها من وظيفته كولي لولي العهد ولكن أبعد من ذلك كونه أهم رجل في هرم السلطة مقربا من والده الملك، ويعد تقديمه للخطة الجديدة لإصلاح الاقتصاد السعودي، إشارة لا تقتصر على تحولات منتظرة في اقتصاد المملكة وانتقاله من الاعتماد على النفط إلى مصادر أخرى للدخل عن طريق التخلي عن النفط كمدر رئيسي للاقتصاد بحلول سنة 2020، وإنما للدور الذي يلعبه الأمير الشاب».
ولاحظ الدكتور «نبيل خوري»، أن «اعتماد الخطة على بيع جزء من أسهم أرامكو للقطاع الخاص وتحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى صندوق سيادي، إجراءات يتوقع أن تحقق سيولة وليس مفعولا إصلاحيا بعيد المدى، كما أنها إجراءات تنطوي على مخاطرة»، مشيرا إلى «غياب نظرة واضحة في الخطة السعودية لقطاعات ذات أهمية قصوى مثل التجارة الداخلية والإستثمار في الصناعات».
ويبدو بروز أميرين شابين، ولي العهد وولي ولي العهد، في قمة هرم السلطة بالمملكة مؤشرا -على الأقل ظاهريا- على انتقال السلطة إلى جيل الشباب، لكن يتعين «الحكم على مضمون السياسات التي ينتهجها هؤلاء الحكام الشبان»، بحسب الدكتور «خوري».
ويرى الدكتور «شتاينبرغ» أن «محمد بن سلمان بصدد توسيع نفوذه وسلطته على حساب منافسه في السلطة ولي العهد محمد بن نايف، فهناك ثلاث قطاعات أساسية مؤثرة بشكل خاص في السعودية، وهي وزارة الداخلية التي يعود لها إدارة الأمن والحرب على الإرهاب، ووزارة الدفاع التي تضم قطاعات القوات المسلحة وأموال كبيرة مخصصة للدفاع، وثالثا السياسة النفطية عبر شركة أرامكو، وبحكم نفوذه على قطاعي الدفاع والنفط يكون محمد بن سلمان أقوى رجل في المملكة بعد والده الملك، بل يمكن الاعتقاد بأنه يطمح لخلافة والده».
وردا على سؤال حول التنافس بين ولي العهد وولي ولي العهد على السلطة، يقول الدكتور «شتاينبرغ»: «لا يمكن أن يخفى التنافس بين الرجلين، لكنني أعتقد أن دور محمد بن سلمان يظل أقوى في القضايا الجوهرية بالنسبة للمملكة».
ووفق الخبير الألماني، فإن ما يعزز الإعتقاد بتزايد نفوذ «محمد سلمان»، هو أن حرب اليمن زادت من دور وزارة الدفاع على حساب وزارة الداخلية التي يتولاها «محمد بن نايف»، والتي كانت في الماضي تلعب دورا أقوى في اليمن، موضحا أن «السياسة التي تنتهجها السعودية تجاه اليمن تخلو من أي تأثير للأمير محمد بن نايف».
ويستنتج الخبير الألماني من سياق التطورات الأخيرة في السياسة السعودية أنها «تعد مؤشرا آخر على أن الأمير محمد بن سلمان هو الأقوى في سباق الصراع على السلطة داخل الأسرة الحاكمة».
غياب إصلاحات سياسية واجتماعية
وبحسب الإذاعة الألمانية، ترددت في الصحف الغربية عبارة «إصلاحات محفوفة بالمخاطر»، ففي صحيفة «تاغس شبيغل» الألمانية، يبدو المحلل السياسي في الصحيفة البرلينية، «هانس موناث»، متشائما من فرص تحقيق إصلاحات اقتصادية عميقة في غياب «إصلاحات إجتماعية وسياسية» في بلد ما تزال فيه المرأة ممنوعة من قيادة السيارة وتهيمن البنيات التقليدية على الحكم.
ويعتقد خبراء أن قيادة إصلاحات أساسية في المجالات السياسية والاقتصادية تشكل معيارا أساسيا لقياس مدى التزام الأمير الشاب بتطوير بلاده وانفتاحها على العالم.
ويعتقد الخبير الأمركي «خوري»، أن «محمد بن سلمان»، لم يُظهر لحد الآن رؤيته أو نشاطه في مجالات الإصلاح الإجتماعي والسياسي، موضحا أن «دور المرأة والانتخابات وحرية الصحافة والحريات الديمقراطية، مواضيع لا تبدو في صدارة إهتمام الأمير الشاب»، بينما يرى الخبير الألماني «شتاينبرغ» أن «الإصلاحات السياسية ليست واردة في أجندة الممسكين بزمام السلطة في السعودية، فمنذ تولي الملك سلمان العرش عام 2015، زادت القبضة القمعية في البلاد، ويتم تبرير ذلك بمواجهة مخاطر إرهاب تنظيم»الدولة الإسلامية».
وبينما يبدو «شتاينبرغ» متشائما وهو يقول إن «حكام السعودية سواء الملك سلمان أو ولي عهده أو ولي ولي عهده، ليس فقط يحجمون عن إصلاحات سياسية تذكر لحد الآن، بل إن الأمور تسير في اتجاه مزيد من تقوية الهيمنة على السلطة»، يرى خوري، بحذر أن «محمد بن سلمان قد يكون يخبئ أفكارا إصلاحية أخرى لكن لحد الآن لم نسمع عنها، ولا نستطيع أن نجزم بأنه سيواجه المحافظين وتراكمات تاريخية ثقيلة في المجتمع السعودي».
وقبل أيام، ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أن ولي ولي العهد السعودي، الذي وصفته بـالإصلاحي الجديد في المملكة يستحق الكثير من الدعم الغربي.