ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
أصبح نائب ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» شخصية محورية عالميا هذا الأسبوع بعد قيامه بصياغة خطة اقتصادية جديدة لأمته. في 25 إبريل/نيسان، أعلن الأمير، البالغ من العمر 30 عاما، طموحاته لتنويع الاقتصاد المحلي ليتجاوز الاعتماد على النفط وعائدات الحج. يتولى «بن سلمان»، الذي ينتمي إلى جيل الألفية، في الوقت الراهن رئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وهو يقع في الترتيب الثاني في خط الخلافة في البلاد.
وتعد رؤية السعودية 2030 هي خطة طويلة الأمد للتنمية أقرها مجلس الوزراء السعودي ومن المرجح أن يتم الانتهاء منها حين يبلغ جيل الألفية في البلاد مرحلة النضج وتنص الرؤية بفخر على أن: «الذهب والفوسفات واليورانيوم والعديد من المعادن الثمينة الأخرى تتواجد بالفعل في أراضينا. ولكن ثروتنا الحقيقية تكمن في طموح شعبنا وإمكانات جيل الشباب لدينا. هؤلاء هم فخر أمتنا والمهندسون الحقيقيون لمستقبلنا».
ورغم ذلك، فإن الاقتصاد السعودي يحتاج إلى دفعة قوية. مع كون 60% من الشعب السعودي هم تحت سن الـ30 عاما ومع وجود 9 ملايين عامل أجنبي داخل حدود البلاد، فسوف يكون هناك طلب متزايد على فرص العمل خلال المستقبل القريب جدا.
وقد سلط الملك المحتمل الضوء على حاجة جيله لإدراك حقيقة جوهرية وهي أن الوقود الأحفوري قد صار الآن من إرث الماضي. يتناقض الطلب باستمرار بينما تواصل الأسعار الانخفاض لتسحب معها اقتصاد البلاد إلى الأسفل. ومع انخفاض أسعار النفط فإن النفوذ الدولي للرياض ربما يتضاءل مع تغير حياة العديد من المواطنين الذين اعتادوا على نمط الحياة المترفة المدعومة من قبل الوفرة النفطية في شبه الجزيرة العربية.
وقد لاحظ المراقبون الدوليون هذه اللغة الخطابية حول خلق فرص العمل ورعاية البيئة والحفاظ على الثقافة المحلية المتضمنة في نص الرؤية. وهم يقدرون التوجه نحو الاستثمار في مجالات الطاقة البديلة وبيع أسهم شركة النفط الوطنية السعودي وخصخصة بعض الخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية. وجنبا إلى جنب مع هذه الإصلاحات الهامة والجديرة بالثناء، فقد بدا أن الأمير طمح للترويج لإقطاعيته الخاصة في وزارة الدفاع.
مبادئ متضاربة
تم تعيين «بن سلمان» وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي في يناير/كانون الثاني عام 2015. وكان لنجل الملك الطموح دور فعال في إزالة سلفه «خالد بن بندر» في يوليو/تموز 2014 من منصب نائب وزير الدفاع بعد أقل من 45 يوما قضاها في منصبه. بعد أقل من ستة أشهر كان «بن سلمان» قد تولى مقعد وزارة الدفاع.
وكمل الكثير من الوعود مع القليل جدا من الخطوات المحددة باستثناء مجال الدفاع الذي يحوي بعض التفاصيل. خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في 25 إبريل/نيسان، كان الأمير يرتدي قبعة وزير الدفاع حين تساءل كيف من الممكن أن تكون المملكة العربية السعودية هي ثالث المنفقين على الدفاع في العالم في حين أنها لا تمتلك أي صناعات عسكرية. وكان الحل الذي اقترحه يمكن في تعزيز صناعة الأسلحة المحلية مما يساهم في خفض الإنفاق العسكري وخلق فرص العملما هو الحال دوما مع خطط المرشحين السياسيين، فإن رؤية المملكة تح في نفس الوقت.
وقد جاء في رؤية المملكة 2030 القول: «على الرغم من أن المملكة هي ثالث أكبر منفق على الدفاع في العالم، فإن 2% فقط من هذا الإنفاق يتم توجيهه داخل حدودها. يقتصر قطاع التصنيع الدفاعي الوطني على 7 شركات فقط إضافة إلى مركزين للبحوث. هدفنا هو توطين أكثر من 50 في المائة من الإنفاق على المعدات العسكرية بحلول عام 2030. وقد بدأنا بالفعل في تطوير الصناعات الأقل تعقيدا مثل توفير قطع الغيار والعربات المدرعة والذخيرة الأساسية. وسوف نقوم بتوسيع هذه المبادرة لتشمل الصناعات الأكثر تعقيدا مثل الطائرات العسكرية».
وضمن إطار جهودها لتنويع اقتصادها، تخطط المملكة العربية السعودية لبناء أسلحتها الخاصة بدلا من مواصلة الاعتماد على العم سام، حيث تعود العلاقات العسكرية بين السعودية والولايات المتحدة إلى عام 1945 واليوم تعد السعودية هي العميل الأكبر للأسلحة الأمريكية. في عام 2014، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على بيع خدمات الدعم العسكري والمعدات وقطع الغيار، التدريب والدعم اللوجستي بقيمة 80 مليون دولار. في العام التالي أنفقت الرياض حوالي 87.2 مليار دولار على ترسانتها وعملياتها العسكرية بما يعادل 13.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومع كون (إسرائيل) قد أنفقت 16.1 مليار دولار فقط على المعدات العسكرية بما يعادل 5.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فإن المملكة العربية السعودية هي المنفق العسكري الأكبر، وبفارق كبير، في محيطها.
«اليوم أصبح دستورنا قائما على القرآن والسنة ثم النفط» وفق ما قاله «بن سلمان» أمام قناة العربية المملوكة للدولة. وتابع بالقول إن هذا الأمر خطير للغاية. ويبدو أن الدستور الذي يشير إليه الأمير هو النظام الأساسي للحكم الذي صدر بموجب مرسوم ملكي في عام 1992 بعد 60 عاما من تأسيس المملكة. ينص هذا النظام الأساسي أيضا أن الحكم في المملكة هو حكر على آل سعود.
الاستثمار في مجمع عسكري وطني يمكن أن يصير وسيلة جيدة بالنسبة إلى آل سعود للحفاظ على السلطة في المستقبل القريب. ولكن هل يمثل هذا التوجه نحو الحشد العسكري روح رؤية 2030؟ وتدعو الخطة أيضا إلى الحفاظ على التراث وترسيخ القيم الإسلامية والعربية الأصيلة واستعادة المواقع الثقافية القديمة ودعم الوقود والغذاء والماء والكهرباء للمحتاجين، وتوفير الحاجات الأساسية للمواطنين الأكثر فقرا. ومع تأكيد «بن سلمان» أن الثقافة العربية أنتجت أفضل «القيم والمبادئ» لأي حضارة في العالم، فإن استعراض العضلات في الحرب ربما ينطوي على قدر من التناقض. ربما يكون الأكثر واقعية أن يتم تخفيض بعد النفقات العسكرية لأجل دعم أكثر من 9 ملايين شخص من غير المواطنين في المملكة، والذين يمثلون معظم القوة العاملة في البلاد والمعرضين لفقد وظائفهم لصالح المواطنين السعوديين خلال السنوات القادمة.
قرب نهايتها، تحتوي رؤية المملكة 2030 القول «لن ننسى أبدا كيف أنه، وفي ظل ظروف أكثر صرامة من تلك التي نحياها اليوم، كانت أمتنا تتحلى بالتصميم الجماعي عندما قام المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود بتوحيد هذه البلاد. سوف يكون شعبنا قادرا على إبهار العالم مرة أخرى».
ولكن ما أذهل العالم حقا بخصوص المملكة العربية السعودية هو هذا التحول السريع من الثقافة الريفية والبدوية المضيافة إلى أمة من طبقات حديثة الثراء تزدري حتى تلك القيم التي يتحدث عنها «بن سلمان» الشاب. ومن المنتظر أن تدهش العالم بشكل أكبر بعد 14 عاما مع طب بساط خطة 2030 لتكشف النقاب عما إذا كانت المملكة سوف تشرع حقا في اقتفاء خطى النبي محمد الذي ولد في مكة المكرمة والذي كان مبادرا في مد جسور التواصل مع زعماء الطوائف الدينية الأخرى. هذا الرجل الذي كان عطوفا بما يكفي للتخلي عن ثوبه من أجل قطة نائمة. هذا الرجل الذي يمكنك أن ترى تعاليمه في دعوة رؤية السعودية 2030 إلى «بلد متسامح يتبنى الإسلام دستورا والاعتدال منهجا».