عبد الوهاب بدرخان- الاتحاد الاماراتية-
على مدى أسبوع أثارت «رؤية السعودية 2030» نقاشاً وجدلاً متوقّعين، بمقدار ما استنهضت من آمال وتوقّعات. ولاشك أن «الرؤية» خطة عمل لبلد بحجم المملكة العربية السعودية، ولاقتصاد كبير كاقتصادها، وكذلك لمجتمع كثرت هواجسه المستقبلية خلال العامين الأخيرين بسبب انخفاض أسعار النفط.
ورغم أن الانشغال المحلي اكتنف تقديم «الرؤية»، باعتبار أن الداخل السعودي سيكون مسرح العمليات الرئيسي لهذه الورشة الإصلاحية الكبرى، فقد كان لافتاً أن الاهتمام الخارجي بها كان استثنائياً، تحديداً لأن مستقبل حركتها بُني على مفهوم إقليمي- دولي يشير إلى «العمق» العربي الإسلامي وإلى الربط بين القارات الثلاث.
وهناك مَن اعتبر أن السعودية تتهيّأ لدور سياسي خارجي، ولا جديد في ذلك فهي تمارس الآن هذا الدور وقبل الشروع في تطبيق «الرؤية». الأهم أنها باتت تعتبر عافيتها وازدهارها الاقتصاديين في تبادل أوسع مع الخارج ومساهمة أكبر في تحفيز اقتصادات الشركاء الخارجيين، وفي ذلك ما هو أبعد من السياسة.
صحيح أن تفاصيل «الرؤية» معقّدة لغير المتخصصين، إلا أنها مؤسسة على أفكار واقعية، وعلى معطيات موجودة وكان يكفي النظر لرؤيتها: من ذلك أن الاقتصاد السعودي نفسه وجد بفضل النفط لكنه لم يُفضِ إلى فراغ بل مهّد لواقع ما بعد النفط، ولم يكن مقبولاً أن يبقى القطاعان العام والخاص، كلٌّ على سبيله، من دون أن يتفاعلا في عملية واحدة.
ومن ذلك أيضاً أن الشباب يشكلون 70 في المئة من سكان المملكة، وهم ثروة بشرية لم تكن هناك خطط ومشاريع لاستثمارها رغم الحاجة إليها. ومن الواضح أن «الرؤية» استقبلت بحماس شبابي، ليس فقط لأنها تضمنت التفاتة إليهم بتصميمها على إيجاد فرص عمل لخفض نسبة البطالة، بل أيضاً وخصوصاً لأن الأمير محمد بن سلمان الذي انبرى لعرضها والإفصاح عن أهدافها ليس مسؤولاً عادياً بل وليَّ وليِّ العهد، وهو يماثلهم سناً أو أقل أو أكثر، وهذا ما لم يعتادوا عليه سابقاً.
الوعود هائلة، وأهمها أن بإمكان السعودية أن تعيش في السنة 2020 من دون الحاجة إلى النفط، أي من دون الاعتماد على مداخيله حصراً. والحديث عن أربع سنوات مقبلة لا أكثر كالقول بأن نتيجة مذهلة كهذه توجد وراء الباب، أي في متناول اليد. هذا يتطلّب أن تكون هناك جهوزية، ولذلك فمن الطبيعي أن يُطرح السؤال: كيف أمكن الأمير محمد بن سلمان أن يكون متيقّناً من هذا الهدف؟
يكمن الجواب في أمرَين: قوة الاقتصاد السعودي وتنوّع طاقاته الاستثمارية، ووعي جديد لهذه القوة ولضرورة حتمية تفعيلها. وبمعنى آخر فإن الخيارات كانت معروفة ومحددة، بل إن معظمها دُرس سابقاً ولم يُعتمد. أما جديد هذه «الرؤية» فيكمن في شموليتها وفي كونها تقدّم خططاً متكاملة.
في العادة تذهب الحكومات إلى خصخصة جزء من مؤسسات القطاع العام إما لأنها في مواجهة أزمة مالية أو تحوّطاً لأزمة متوقعة. غير أن «الرؤية» لا تعاني أيّاً من الحالَين بل تريد تنشيط أو إعادة تنشيط ما بني أساساً في سياق الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي شبه وحيد للدخل. فالنفط ساهم في صنع الاقتصاد، وحان الوقت لكي يلعب الاقتصاد لعبته معتمداً على ما راكمه من رساميل وخبرات وقدرات خلّاقة.
ذاك أن رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى 65 في المئة لا يستجيب فقط لإصلاح مطلوب منذ زمن بل يماشي أيضاً النمط الاقتصادي العالمي، ولا يوفر فقط فرصاً ربحية لهذا القطاع بل يرتّب عليه كذلك مسؤوليات عامة تتمثل في تحسين جودة الخدمات وإبقاء الحصول عليها متاحاً وبتكلفة معقولة.
لعل المحكّ البارز لـ«الرؤية» أن يكون المجتمع قادراً ومستعداً لدفع عجلاتها، لأن جبالاً من التفاصيل التشريعية والإجرائية تتطلّب الكثير من العمل لرفعها.
في المقابل ينبغي أن تسارع الدول المعنية بالتفاعل المباشر مع نهوض الاقتصاد السعودي إلى وضع رؤاها أيضاً واستشراف متطلبات مواكبته، فـ«جسر الملك سلمان» مثلاً سيحقق الربط البرّي بين السعودية ومصر لكنه يمثّل جزءاً من عملية لا تكتمل عناصرها إلا بتطويرات على الجانبين.
تبقى أخيراً الإشارة إلى أهمّ ما في طيّات هذه «الرؤية»، وهو أن الإصلاح الاقتصادي يشكّل «بيئة حاضنة» لثقافة جديدة وغير نمطية، فالإجابة عن السؤال المطروح بقوة منذ نحو عقدَين («مكافحة التطرّف، كيف؟») قد تنطوي عليها «الرؤية» سواء بتطلّعها إلى خلق فرص عمل أو باهتمامها بالتعليم والصحة والإسكان ورفع معدّلات تمكين المرأة.