أحمد الجارالله- السياسة الكويتية-
لا شك أن الأوامر الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هي نقطة تحول مهمة في تحديث الاداء الحكومي وتطويره ليتماشى مع العصر والمشروع النهضوي السعودي، وهي ثورة شاملة ليس في الهيكل الوزاري وترشيق المؤسسات فقط، انما ايضا في التحفيز على تطوير الذات، ما سينعكس على مختلف نواحي الحياة في المملكة والمنطقة، لما تمثله السعودية القارة، قاطرة اللجنة الاقتصادية في المنطقة.
هذه الثورة تحتاج الى استكمال في مسألة جذب الاستثمارات، الخليجية تحديدا، فالارتباط العاطفي والاجتماعي والثقافي بين شعوب المنطقة لا يمكن ترجمته إلى واقع إلا بجعله سلوكا عاما، يقوم على شعور الخليجي انه في وطنه أينما حل في دول المجلس، لاسيما في السعودية، لذلك على هذا القائد النظر الى مسألة جذب المستثمرين الخليجيين عبر تسهيلات عديدة يحتاجها الاقتصاد السعودي، وفي الوقت نفسه تساعد على انعاش الحركة بين دول المجلس، فالمملكة يجب ان تكون رائدة المنظومة الخليجية والسباقة دائما الى تشكيل اتجاهات الاستثمار وتنشيطها بما يتناسب مع المستقبل الذي يتجه اليه العالم حاليا.
في هذا المجال أمامنا التجربة الاوروبية، فحرية التنقل والاستيراد والتصدير والتملك بين 28 دولة جعلت الاتحاد يتغلب على مشكلاته، بل معضلاته، ويصمد بوجه العواصف والزلازل الاقتصادية والأمنية التي تعرض لها في السنوات الماضية، رغم الاختلاف في الثقافات واللغات والرؤى، فيما دول»مجلس التعاون» الموحدة ثقافيا واجتماعيا، والمرتبطة عضويا باقتصاد يكاد يكون واحدا في كل جوانبه اسهل لها ان تترجم الوحدة بسلسلة من الاجراءات فتزيل العوائق التي لا تزال تعترض تلك المسيرة.
في هذا الشأن، هناك نقطة مهمة نتمنى على هذا القائد ان يراعيها في توجيهاته الى حكومته، وهي السماح بحرية تملك الخليجيين للاراضي في المملكة التي تبلغ مساحتها 2.15 مليون كيلومتر مربع، فما الذي يمنع الخليجيين من المساهمة في المشاريع الضخمة على اراضي المملكة، أكانت زراعية أم صناعية أو حتى سياحية وغيرها من المجالات المحفزة للاقتصاد والجاذبة لرؤوس الأموال والافراد، وهي لا شك ستوفر الكثير من فرص العمل للسعوديين.
لدينا في هذا الشأن تجربتان، بحرينية وإماراتية، فالأولى استطاعت جذب رؤوس الأموال الخليجية من خلال حرية التملك وتأسيس الشركات، وسهولة حركة رؤوس الأموال حتى قبل وجود «مجلس التعاون»، والثانية وضعت القوانين المحفزة للاستثمار الخليجي، وحذت حذو البحرين في انشاء المشاريع العملاقة التي تعود على الاقتصاد الإماراتي بفوائد كثيرة.
هذا الانفتاح البحريني والإماراتي بالتملك والاستثمار زاد من حضور الدولتين في الوجدان الخليجي عبر ترسيخ الارتباط بينهما وبين شعوب الدول الأخرى، لأنهما ترجمتا ذلك إلى مصالح دائمة، فبات الخليجي حريصا أكثرعلى استقرارهما، وهو ما يجب ان يطبق ايضاً في المملكة التي لها مكانتها الخاصة في نفس كل خليجي.
فاذا كنا نطالب مصر والمغرب، ودولا عربية، باقرار قوانين أكثر انفتاحا على مواطني «مجلس التعاون» أليس الأولى بدولنا ان تقر تلك القوانين، بل كيف للخليجي ان يتملك في إستراليا والسودان وأثيوبيا وغيرها، بلا قيود أو شروط، فيما هو مقيد في الدولة الكبرى بمنظومتها الاقليمية بنسب وإجراءات معقدة حيث يفترض ان تكون بيئته الاستثمارية الطبيعية؟
اليوم يقود خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز ثورة تغيير جذرية في المملكة، بدأت بالرؤية الجريئة (رؤية 2030) لتحديث الاقتصاد وتطويره وبالتالي تطوير المجتمع ككل، وجاءت سلسلة الأوامر الملكية لتجعلها موضع التنفيذ مستكملة رسم معالم»الحقبة السلمانية».
يطمح المواطن الخليجي الى ان يكون شريكا في صناعة مستقبل المملكة، وبقيادتكم نرى الفرصة سانحة لذلك عبر أوامر ملكية ذات صفة خليجية واقليمية، أما من لا يزال يراهن على قوانين تقفل الأبواب أمام المستثمرين الخليجيين، فهو لا شك يعاني من قصر نظر، لأن الانفتاح والتبادل التجاري هما أساس الاقتصاد الناجح وهو ما نريده للمملكة التي يجب ان تبقى الرائدة في التطوير والتحديث، ولذلك هي بحاجة الى زيادة المساهمة الخليجية في صناعتها وزراعتها واقتصادها عموما، إضافة الى التشديد على حفظ الحقوق عبر سرعة تنفيذ الاحكام، وقوننة الجزاءات، وكل هذا سيساهم في تسريع حركة النهوض التي ترسي اليوم أسسها الاجراءات الملكية.
صحيح ان احدا لم يسبق ان طرق هذا الموضوع، وأنا أطرحه لمعرفتي بمدى حرص قيادة المملكة على توحيد الرؤى الخليجية لتصب كلها في مستقبل أكثر استقرارا وقوة لدول منظومتنا، وليقيننا ان ترجمة الوحدة الى فعل تستلزم ربط الإنسان بالأرض والدولة بمصالح تجعله أكثر حرصا على أمنها وتطورها وازدهارها.